هوى الشام| شهد العالم عموما خلال العقد الأخير توحشا للفكر الإرهابي التكفيري تجسد جليا بالعدوان على سورية حيث ارتكبت فيه كل أشكال التوحش قتلا وذبحا وتمثيلا بالجثث وتدميراً للممتلكات والمؤسسات والذي تطابقت فيه الأهداف وأساليب التنفيذ بين الحركات الصهيونية الأصولية قديمها وحديثها وبين الحركات الدينية الأصولية الأخرى في غير مكان من العالم ما رتب على مؤسسات الدولة السورية مسؤوليات كبيرة لمواجهة هذا الفكر الدخيل ولاسيما وزارة الأوقاف التي كان عليها العبء الأكبر في هذه المواجهة في زمن يسوده انتشار أفكار الليبرالية الحديثة التي وصفها السيد الرئيس بشار الأسد في أحد خطاباته بالعدو الذي لا بد من تحصين أنفسنا منه ثقافيا وفكريا.

 

وانطلاقا من دور المؤسسة الدينية في دحر الطائفية والتكفير والإرهاب عقائديا ومجتمعيا والتزاما بتوجيهات السيد الرئيس وفكره وقيمه بذلت وزارة الأوقاف جهودا كبيرة في مجال مكافحة التطرف الناتج عن الحرب الإرهابية التي تعرضت لها سورية وكان لها العديد من المشاريع في هذا المجال ولعل أبزرها كتاب (أقربهم مودة) للسيد وزير الأوقاف محمد عبد السـتار السـيد الذي تحدث عن طبيعـة العلاقة الاسلامية المسيحية في سورية من خلال القرآن الكريم وسيرة النبي الكريم محمد عليه السلام والذي يعتبر الأول من نوعه عربيا وإسلاميا ككتاب يرد على الأفكار المتطرفة وشبهات التكفير.

فسورية وعلى مدار التّاريخ البشري كانت موطئ أقدام كثير من أنبياء الله ورسلِه بدءً من نبي اللّه ابراهيم عليه السّلام وابنائه ومن تناسل من ذريّتهم من النبيّين والمرسلين حتّى مولد سيدنا عيسى عليه الصّلاة السّلام حيث تعتبر منذ بداية التاريخ ملتقا هاما لكافة الأديان السماوية وتنتشر على أرضها المئات من أضرحة القديسين والأولياء الصالحين والكنائس والجوامع وهو ما تطرق إليه كتاب (أقربهم مودة) من خلال الآية المباركة ” لا نفرق بين أحد من رسله” حيث جعل الله سبحانه وتعالى قوله العظيم هذا شعارا للإسلام والمسلمين لأن المسلم الحق لا يفرق في إيمانه بين الأنبياء والرسل.

 

وتطرق الكتاب أيضا إلى ما أوضحه القرآن الكريم بأن النقاش والحوار الذي يجري بين المسلمين والمسيحيين هو نقاش وحوار علمي يهـدف إلى الفائدة والعلـم وينبع من الحـب والمحبة وكون ثمرة هذا النقاش المحبة المطلقة وهو ما نراه كثيرا اليوم في المجتمع السوري فكل حوار إسلامي مسيحي هو ترسيخ لأسس المحبة والتفاهم والمودة حيث نرى المسلمون في سورية يحترمون الكنائـس ويغـارون عليهـا كما يحترمون المسـاجد ويغارون عليهـا، وكذلك نرى في المقابل المسيحيون يحترمون المساجد ويغارون عليها كما يغـارون على كنائسـهم وكيـف لا يكون ذلـك وهي بيـوت خّصصـت لعبـادة الله سـبحانه وتعالى.

 

وتحتضن سورية بكل محبة واحترام إرثاً واسعاً من العمائر الدينية والأوابد والمزارات لاسيما وهي من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والتاريخ حيث يزخر ماضيها وحاضرها بتراث ناصع من الفخر والاعتزاز بتلاحم الديانات وتعايشها الأخلاقي وتآخيها بعيداً عن التعصب والمغالاة وهو ما عكسه كتاب (أقربهم مودة) حيث أكد أن الله سـبحانه وتعـالى يريـد منـّا أن نتعاضد لأن هذا هـو التّعاضـد الإيـمانيّ وهذا هـو الاتّصـال بمـن لهـم صلـة في السّـماء، ناهيا عن مقاطعة أهـل الكتـاب كدعوة إلى العلاقـة المتميّـزة بـين المسـلمين وأهـل الدّيانـات السّـماويّة بشـكل عـامّ ..// لأننّا من مشـكاة واحـدة، من ربّ واحـد//.

وبما أن الحرب الكونية على سورية أكدت بوضوح أن التكفير الإرهابي المتطرف هو خطر ماحق للكرامة الإنسانية والحضارات البشرية فإنه يمكن اعتبار كتاب ( أقربهم مودة) رسالة سورية للعالم أجمع ترد على استدلالات المتطرفين وتدحض شبهاتهم في زمن الأصوليات الإسلامية والإرهاب العالمي.

المصدر : صاحبة الجلالة