هوى الشام | في الجزء الثاني من فيلم الرعب الأمريكي الشهير الصرخة «scream» نجد طلاباً في أكاديمية للسينما يتناقشون حول ظاهرة الأفلام ذات الأجزاء، فيستنتجون بعد استعراضهم لأعمال كثيرة أن الجزء الثاني من الفيلم دائماً ما يكون أضعف من سابقه.
ذلك أن إنتاج جزء ثان من العمل يجب أن يكون له مبرر درامي وضمن سياق العمل، ومن الأفضل أن يكون في حقبة تاريخية مختلفة سابقة أو لاحقة كما في الجزء الثاني من فيلم العراب، وألا يكون فقط لأسباب تسويقية ولتحقيق المزيد من الأرباح، ولكن للأسف هذا الأمر نادراً ما يتم ولاسيما في الدراما والسينما العربية، حيث ندر أن نجد عملاً ما نجح جماهيرياً ولم يسع منتجوه لصناعة أجزاء تالية منه، وقد غمز الممثل المصري تامر عبد المنعم من قناة هؤلاء في فيلمه المشخصاتي، عندما تنكر خلال مطاردته من قبل بعض المهربين بشخصية أحمد زكي في فيلم أيام السادات، وحين سأله أحد رجال الشرطة عن سبب ذلك برر له ساخراً «حنصور جزء ثاني من الفيلم».
وإذا كانت السينما السورية لم تعرف ظاهرة الأجزاء، من جراء قلة الأفلام التي حققت نجاحاً جماهيرياً، فإن الدراما في المقابل أقبلت على هذه الظاهرة منذ البدايات، مع مسلسل صح النوم إنتاج سنة 1972 الذي كان أول عمل سوري يصنع منه أجزاء، ثم حكايات سيرة بني هلال التي وصلت إلى أربعة أجزاء وأخرجها الراحل علاء الدين كوكش سنة 1979، ثم كانت سلسلة مرايا للفنان ياسر العظمة والتي استمرت بصورة متقطعة طوال ثلاثة عقود، تلاها هجرة القلوب إلى القلوب وأبو كامل ومسلسل الأطفال كان يا ما كان والجوارح وإخوة التراب وسلسلة النجوم، وصولاً إلى بقعة ضوء وباب الحارة وهي من أعمال الأجزاء التي لا تزال مستمرة حتى الآن ولم يعلن عن توقفها.
والواقع أن اتجاه صناع الدراما السورية لإنتاج أجزاء ثانية من العمل نفسه كان في كثير من الأحيان بطلب من قنوات العرض الخارجية، بل إنه في كثير من المرات كان الطرفان يتفقان على إنتاج عدد معين من الأجزاء، كما في سلسلة النجوم حيث كان من المفروض مواصلة صنع أجزاء من هذا العمل حتى عيلة عشر نجوم كما صرح لي بذلك وقتها مخرج العمل هشام شربتجي، أما في باب الحارة فكانت الأرباح الطائلة التي حققها هذا العمل البيئي الشامي من جراء العرض الحصري والإعلانات التجارية، هي الدافع الأساس لترك باب الحارة مفتوحاً مع ثلاثة عشر جزءاً منذ عام 2006، ومن ثم الاختلاف على ملكيته وتخاصم كاتب العمل ومنتجه أمام المحاكم، وعندما سألنا ذات مرة الراحل زهير رمضان لماذا هذا الإصرار على إنتاج أجزاء أخرى من باب الحارة، أجابنا بالقول «إنه دجاجة بيّاضة».
وفي هذا الموسم الدرامي الرمضاني ترسخت أكثر ظاهرة الأجزاء فظهرت عدة أعمال لا واحد فحسب، فمسلسل صبايا الذي أنتج الجزء الخامس منه قبل عشرة أعوام، وتوقعنا أن يكون اختفى نهائياً من خريطة الإنتاج، عاد مع مؤلف ومخرج شابين هما محمود إدريس وفادي وفائي اللذين حاولا أن يقدما رؤية مختلفة للعمل لا بكون عمادها الموضة المفرطة والغنج الأنثوي، ولكن رغم ذلك فالعمل لم يخرج كثيراً عن أجزائه السابقة.
وبحث شادي كيوان كاتب مقابلة مع السيد آدم 2، عن حبكة مختلفة لهذا العمل البوليسي بعيداً عن جرائم القتل المتسلسل التي ارتكبها الطبيب آدم، وتجلى ذلك في تحول المسلسل لنمط أعمال المطاردة من خلال ملاحقة المحقق للقاتل وسعي الأخيرإلى انقاذ ابن أخته.
واللافت أن المخرجة رشا شربتجي التي اعتذرت هي والمؤلف أخرجت لهذا الموسم الجزء الثالث من حارة القبة، وحتى تضمن نجاح هذا الجزء كسابقيه اعتمدت بالاتفاق مع مؤلف العمل أسامة كوكش على توليفة من «بهارات» أعمال البيئة الشامية من جرائم القتل المجهولة وموضوع الأمانة، ثم زج نجوم جدد أمثال أمل عرفة وفراس إبراهيم ونسرين الحكيم، ولكن هذا العمل يتعرض لمنافسة قوية من العربجي وزقاق الجن وهي أعمال جديدة كلياً، سحبت البساط من تحت حارة القبة الذي كان عمل البيئة الشامية الأكثر متابعة الموسم الفائت.
أما العمل الأطول في تاريخ الدراما العربية والدراما السورية، وأقصد به باب الحارة، فإن الاستمرار في صناعة المزيد من الأجزاء بغياب شبه كامل لنجوم الصف الأول، قد يبدو محرقة لهذا العمل عندما يرى المشاهد كيف أن أبطاله المحببين اختفوا من الشاشة، وهذا ما يصح ذكره مع العمل وقد دخل موسمه الجديد بمخرجة جديدة هي منال عمران، وبطولة فنانين لم يكونوا حاضرين في الأجزاء السابقة، ورغم الاستعانة بكاتب الجزء الأول مروان قاووق لكن يبدو أن العمل إلى الآن لم يستطع إقناع جمهوره الوفي الذي ظل يتابعه منذ سبعة عشر عاماً، كما لاحظت ذلك من خلال سؤالي عينة من المشاهدين، وإذا كان من حق الشركة المنتجة أن تواصل صناعة أجزاء جديدة من العمل، فمن حقي ككاتب صحفي وكمشاهد دعوتها إلى إغلاق هذا الباب وصنع أعمال جديدة تنافس مثيلاتها.
إنتاج أجزاء جديدة من المسلسلات ليست ظاهرة سورية بل سبقنا المصريون إليها وعندهم باع طويل في هذا المضمار، ولكن يجب ألا يغيب عن الأذهان أن صناعة جزء جديد من عمل ناجح أمر على غاية من الصعوبة تفوق صعوبة الجزء الأول، لأنه كما قال العندليب عبد الحليم حافظ مرة «الحفاظ على القمة أصعب من الوصول إليها».