العلامة الدكتور مروان المحاسني
هوى الشام من شذى حمود | وداعاً مروان المحاسني أيها الشاميُّ العتيق.. وداعاً أيها الطَّبيب .. كنت عَلما وعالِما ومعلِّما .. ستبقى أياديك البيضاء.. على دمشق وأهلها حاضرة في الذاكرة.. لأجيال وأجيال.

مجتمعنا بين الحداثة وما بعد الحداثة .. جديد دراسات العلامة الدكتور مروان المحاسني الذي صدر بعد رحيله عن الهيئة العامة السورية للكتاب متضمنا العديد من الأبحاث والدراسات التي تشرح فيها معنى الحداثة و تشدد على أهمية الحضارة العربية وما تمتلكه من مقومات تدعونا للفخر والاعتزاز بها والمحافظة عليها.
الكتاب الذي تميز مؤلفه الراحل الدكتور المحاسني بفكر تحليلي عميق قال في مقدمته: قديما كان الاشعاع الحضاري ينبع من المشرق العربي ومن الاندلس في مختلف الميادين العلمية  حيث كانت المجتمعات الغربية مبهورة بهذا الاشعاع وتقتبس منه الكثير باستمرار ثم بدأ ذلك الاشعاع يخبو.. مضياف ان المجتمعات الغربية واصلت نشاطها الحضاري وذلك برعاية العلم والعلماء لان ثمرة هذه الرعاية هي التقدم التقاني /التكنولوجي/ الذي أدى إلى انبهار الشعوب العربية وغيرها به.
والمقصود بالحداثة بحسب الراحل محاسني هو جملة التغيرات والتطورات التي برزت خلال المئة سنة المنصرمة وذلك في مجالات مختلفة من حياة الشعوب العربية ومنها انتشار التعليم وتطور وسائط النقل والانتقال وتطور وسائل الاعلام وظهور الكثير من المخترعات التي سهلت الحياة اليومية والتقدم المذهل في وسائل الاتصال بين الناس بفضل الهواتف الذكية حيث بين أن المجتمعات العربية تعرضت للأمور الجديدة كلها ومن الطبيعي أن تظهر فيها تيارات متضاربة فهناك من يقبل على العلم الجديد متناسيا أساس منطلقاته وهناك من يتحرر من العولمة رافعا لواء الحفاظ على التراث.
ويرى العلامة الراحل المحاسني أن ظاهرة العولمة المعلن هو عولمة الحضارة لكن مضمونها الحقيقي هي إذابة هوية الشعوب والانتماء القومي وذلك باحتلال اللغة الأم ومن ثم احتلال الوعي بقيمتها وإيهام الشعوب بعدم قدرتها على استيعاب العلوم الحديثة ومصطلحاتها وبذلك يصبح توطين العلوم والتكنولوجيا في بلادنا حلما شبه مستحيل وبدونه نبقى مستوردين للتقانة الغربية وفي النهاية تمحى هوية الشعوب.
وبعض شبابنا ينظر الى التراث وفق المحاسني على أنه مجموعة من الكتب القديمة التي ما زال بعضها مخطوطا وهي تضم مؤلفات الاوائل في مجالات اللغة والحديث والفتاوى وقد كان بعضها يضم في طياته أبحاثا في علوم مختلفة كالكيمياء والفلك والطب وجميعها قد تجاوزها الزمن.
ويقول المحاسني إنه لا بد من القول أن هذه الأبحاث العلمية كانت قد أصبحت فيما بعد أسسا لأنطلاقة البحث العلمي الأوروبي الذي انتهى في أيامنا إلى علم متطور خلاق بفعل دأب الحضارة الغربية على صب مجهوداتها في سبر اغوار ذلك التراث والتدقيق في معطياته ولاسيما انها اعتمدت على المؤلفات العربية وثابرت على تطوير محتواها حتى وصلت إلى العلوم التجريبية العصرية والتي تفتحت عنها تلك الكشوف الباهرة في معرفة العناصر المكونة لعالمنا وتلك الأساليب التي تمكن الإنسان من التحكم في الكثير من أمور عالمه.
الراحل المحاسني كان يرى أن ثقافة الانفتاح والتغيير لا يجوز لها أن تتعارض مع مقومات ذاتيتنا الثقافية وفي طليعتها لغتنا التي هي عنوان أصالتنا وأن ابتعادنا عن لغتنا هو قطع لجذورنا واقتلاع لمجتمعنا وانسياق في ركب الاغتراب والاضمحلال مرحبا بالحداثة الخادمة لطموحاتنا في إيجاد مجتمع عصري متمكن من ذاتيته المبينة على تراثه الاصيل ومفتاحا لفهم العالم السريع التطور ومرقاة لاستثمار طاقاتنا في المشاركة لبناء عالم الغد.
ومما ورد في كتاب مروان المحاسني أنه لا شك بأن لحضارتنا من العمق الثقافي الانساني ما يسمه لها باستخلاص العناصر والتوجهات التي تبذلها عالمية الحداثة لتدخل في مسار الارتقاء والابداع دون ان تخضع لأغراض  العولمة المعروفة باحتكاراتها وبذلك تتجنب الوقوع في مطباتها الجاهزة.
وبحسب العلامة الراحل فإن العقلية العربية الحديثة التي نريد لها أن تهدف إلى استعادة الموقع المرموق الذي ننشده في بناء المستقبل لا بد لها من أن تسلك طريق المشاركة في المجهودات العلمية والحضارية العالمية معتمدة قواعدها المتينة في تلك الثقافة التي نعيشها وتسكن وجداننا وهي المنبت لكل السجايا المبذولة في مجتمعنا.
وكان يرى العلامة الراحل اننا لسنا بحاجة إلى التأكيد أن الثقافة العربية كائن اجتماعي احتفظ بهويته المتفردة في الأمة العربية على مر العصور لذا فإن ثقتنا بصلابة مجتمعنا هي أساس نظرتنا إلى المستقبل ..فهو المجتمع الذي تخطى هجمات عديدة في الماضي ومازالت منطلقاته الثقافية والحضارية صامدة برغم وجود ما يشوبها من ممارسات يومية عند بعض الأفراد لافتا الى ضرورة أن نبقى متسلحين بقيمنا وثوابتنا في اي مواجهة مع الثقافات الأخرى عن طريق حوار مفتوح لا يمكن الا أن يزيدنا تمسكا بأصالتنا
وكان الراحل المحاسني يؤمن بأن لحضارتنا من العمق الثقافي الإنساني ما يسمح لها باستخلاص العناصر والتوجهات التي تبذلها عالمية الحداثة لتدخل في مسار الارتقاء والإبداع دون أن تخضع لأغراض العولمة المعروفة باحتكاراتها وبذلك تتجنب الوقوع في مطباتها الجاهزة.
يشار الى ان العلامة الدكتور مروان المحاسني الذي كان رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق رحل عن عالمنا في شهر اذار من عام 2022 بعد مسيرة علمية حافلة بالفكر والمعرفة عن عمر 96عاماً قضاها في خدمة اللغة العربية.
الراحل الدكتور المحاسني من مواليد دمشق 1926 حاصل على الإجازة في الطب البشري من جامعة دمشق سنة 1951 وشهادة اختصاص في الجراحة عام 1955 من جامعة باريس وأستاذية في العلوم الطبية سنة 1962 من الجامعة نفسها إضافة إلى إجازة في الآداب من جامعة دمشق سنة 1958.
تبوأ المحاسني العديد من المناصب فكان عضواً في جمعيتي الأمراض التنفسية بباريس وجراحة الصدر في انكلترا كما كان عضواً في أكاديمية العلوم بنيويورك وتدرج في مناصب التدريس كلها من مدرس إلى أستاذ مساعد فأستاذ كما كان رئيساً لقسم الجراحة في كلية الطب بجامعة دمشق وكان أيضا من مؤسسي المجلس الأعلى للعلوم في الجامعة.
وأصبح المحاسني عضواً في مجمع اللغة العربية منذ 1979 بدمشق وشغل منصب نائب رئيس المجمع اللغة العربية بين عامي2005 و2008 وبعدها تسلم رئيس المجمع إلى حين وفاته.
ومثل الراحل سورية في لجنة الحوار بين الحضارات في اتحاد الجامعات الناطقة بالفرنسية 1974 كما ترأس لجنة الحوار بين الحضارات وكان عضواً في مجلس إدارة الاتحاد بين أعوام 1979 و1995.
للراحل المحاسني عشرات البحوث العلمية المنشورة في المجلات الطبية إضافة إلى مشاركته في تصنيف المعجم الطبي الموحد “انكليزي.. عربي” والمعجم الطبي الموحد (عربي، فرنسي،انكليزي) ومعجم الألفاظ الإيطالية في اللغة العربية.
ولم يقتصر تبحر الراحل في العربية وحدها بل كان يجيد العديد من اللغات كالفرنسية والإنكليزية والإيطالية والإسبانية.