دمشق – هوى الشام من مها القحف
في أزفة الحياة نمضي وتمضي بنا الأيام يوما تلو الآخر وهكذا لا شيء يذكر نجنيه سوى لقمة العيش والانتظار.. انتظار ماذا لا ندري فهو انتظار المجهول أو ربما ننتظر طاقة القدر لتفتح لنا أبوابها علنا نستفيق من كابوس اسمه الأزمة.
واقعنا اليوم لا يشبه واقعنا أمس ، واقع مختلف لا تعريف واضح لملامحه، في البداية حسبنا أن أزمتنا تكمن بفقد حبيب وعزيز، وخسارة مال ومأوى وعمل لكن الطامة الكبرى تجسدت بضياع إنسانيتنا فأزمتنا ليست أزمة حرب بل أزمة أخلاق بالدرجة الأولى وهذه النتيجة ربما ليست حديثة الولادة ولكنها بدت واقعية وحقيقة أكثر كما صورها مسلسل “الندم”.
في الندم رأينا كيف أننا في سوريا بعنا ولم نشتر .. تحولنا إلى مجرد ماكينات “صينية” تعمل في شتات لا جدوى منها أو ربما إلى ماكينات منتهية الصلاحية، وهكذا نسير في الركب ماضين موجهين أو غير موجهين لا ندري، نبحث عن أشياء تشبهنا أو شماعات نعلق عليها زلاتنا ، ساعات وأيام لحقتها سنوات ولا شيء يذكر سوى الخراب “ماذا زرعنا لنحصد هذا الخراب كله”.
في الندم أثبتنا أننا كلنا ندور في دوامة من أصغرنا إلى أكبرنا، فقراء وأثرياء، مثقفين وجاهلين، حتى صناع الرأي العام ضاعوا في المتاهة وكأن الأزمة جذبتنا نحوها بشكل أكبر من تفاحة نيوتن.
في الندم تجلى “ثالوث الأزمة” الإنسان، الوطن، والحرب فوفق أزمتنا أيقنا وأثبتنا نظرية فرويد و”أن الإنسان عدواني بطبعه” وأنه مهما كان عمره ونوعه ومكانته فهو طاغية “كلنا طاغية ولكن كل طاغية في مكانه.. كل واحد فينا طاغي صغير” و”كل واحد بدو ياك على مقاسه هاد إذا ما قلنا على مقاس رجله”، واقتباسات عديدة أصابت الهدف.
في الندم تم وضع النقاط على الحروف وخاصة عندما أعاد صياغة مفهوم الوطن بأذهاننا. فالوطن ليس شمسا وهواء وأصدقاء … “الوطن هو حقوق وواجبات.. والواجبات قبل الحقوق” ولم يكتف عند هذا الحد بل رسم صورة بليغة بقصة سهيل ورحيله خسارة للوطن. “في إشارة إلى كل من رحل قسرا أو طوعا”، لكنه أعاد بريق الأمل باقتباس “أبو عبدو:ابن أبو عبدو الغول بيرجع ” أي ابن البلد سيرجع لكن بعد فوات الآوان.
وأخيرا صور الحرب، حرب شرسة أكلت الأخضر واليابس، ولم تستثن حجرا ولا بشرا لكنها بالمحصلة هي “امتحان للإنسانية ولايجوز أن نرسب بهذا الامتحان” فهل ترانا نجحنا بهذا الامتحان .