هوى الشام
اختار مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث “كوثر” لتقريره الدوري السابع لتنمية المرأة العربية –الصادر حديثا بدعم من برنامج الخليج العربي للتنمية “أجفند”- موضوع “المساواة بين الجنسين في أجندة 2030 للتنمية المستدامة” وذلك بالتركيز على دور المجتمع المدني والإعلام” بما يشكلانه من معيار أساسي لتقييم مستوى مشاركة البلدان في تنفيذ الأجندة والالتزام بها.
وسعى التقرير إلى البحث عن تجليات المساواة بين الجنسين في أجندة التنمية المستدامة لعام 2030 بما هي أجندة تحويلية، يتطلب تحقيقها مشاركة الجميع في مجابهة التحديات وإنجاح المسارات التحويلية التي تدعو اليها. وسعى التقرير إلى فهم كيف عكست هذه الأجندة مسألة المساواة بين الجنسين في أهدافها السبعة عشرة بمقاصدها الـ169 وإلى أي مدى تم ويتم تكييفها مع واقع بلداننا العربية التي تشهد تحولات هامة.
خلص تقرير مركز “كوثر” إلى ضرورة مقاربة التنمية وأجندة 2030 من منظور حقوق الإنسان، وجعل قضية المساواة بين الجنسين معيارا أساسيا لنجاح التنمية في مجملها، خاصة في ظل هيمنة خطاب مزدوج في اعتماده الحقوق الكونية من ناحية، والتشبث بالخصوصية الثقافية في الوقت عينه.
وفي ما يتصل بدور المجتمع المدني، شدد التقرير على الحاجة الملحة إلى الحوار مع الحكومات والأطراف التنموية الأخرى، وأهمية التشبيك الأفقي بين مختلف فئات منظمات المجتمع المدني لاسيما النقابات والحركات الجديدة، وكذلك تعزيز دور السلطات المحلية والسلطة المركزية على حد سواء، وترسيخ اللامركزية بما هي توزيع للسلطة والادوار بين المستوين المركزي والمحلي.
وتطرق التقرير إلى البعد الثقافي-الذي لم توليه الأجندة الاهتمام الذي يستحق- ليؤكد على ضرورة وضع استراتيجية عمل ثقافية من أجل التنمية، وتحقيق المساواة بين الجنسين بشكل خاص، وكذلك دور وسائل الإعلام التحويلي/التغييري والحقوقي، خاصة على المستوى المحلي في نجاح التنمية المستدامة المحلية وكل ما يتصل بكسر الصور النمطية وتغيير البعد السلوكي والأفراد.
تضمن التقرير سبعة فصول هي التالية: 1. تحديات التنمية في البلدان العربية، 2. أجندة 2030 ومنظور المساواة بين الجنسين، 3. الحرب والنزاعات وأثرها على وضع المرأة، 4. المجتمع المدني بعد الربيع العربي: أسئلة جديدة، 5. لتنمية المحلية: تجارب ميدانية، 6. الإعلام والمرأة وأجندة 2030، 7. خلاصات وتوصيات.
في الفصل الأول “التحديات التنموية الرئيسية في المنطقة” حصل استعراض مكثف للتحديات وجرى التركيز على عدد منها مصنفة إلى فئتين: الأولى هي التحديات الهيكلية والمزمنة بما فيها التحديات السياسية والاقتصادية/الاجتماعية المرتبطة بتوجهات العولمة، وتحدي الفقر واللامساواة، لاسيما في ضوء ما كشفته دراسات حديثة أن المنطقة العربية هي من أكثر مناطق العالم لا مساواة . وتطرقت الفئة الثانية من التحديات، إلى تلك المستجدة مع التركيز على مستوى التفكك المجتمعي الناجم عن الحروب والنزاعات، ومسارات التحول بعد 2010، والآفاق المستقبلية المتعلقة بحل النزاعات القائمة والتوجه نحو إعادة الإعمار، إضافة إلى التحدي المتعلق بالإحصاءات.
وعالج الفصل الثاني المساواة بين الجنسين وأجندة 2030 ومسار التنمية وواقع المساواة بن الجنسين وتمكين المرأة من منظور المؤشرات المحددة ومن منظور الديناميات. فقدم عرضا مفصلا لمقاربة أجندة 2030 لمسألة المساواة بين الجنسين، والربط بين الهدف الخامس (عن المساواة بين الجنسين) والهدف العاشر (عن المساواة بشكل عام) وباقي الأهداف. وخلص الفصل إلى أن المساواة بين الجنسين وتمكين جميع النساء والفتيات تحتل أهمية كبيرة في أجندة 2030، وهي أهمية استثنائية في البلدان والمجتمعات العربية لجهة الأوضاع التي تعيشها ولجهة ضرورة العمل على إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في جميع الأهداف.
ونقل الفصل الثالث واقع الحروب والنزاعات في المنطقة العربية وأثرها على المرأة والتنمية. وفيه تم عرض لأوضاع البلدان التي تواجه حالات متطرفة من العنف وأمثلة عن وضعها وأثر ذلك على المجتمع والنساء، من فلسطين إلى العراق وسوريا واليمن…الخ. وتبين أن ترابط السلم والأمن مع التنمية شكلت مسألة محورية في أجندة 2030، خلافا لما سبقها من أجندات تنموية رغم أنه كان حاضرا على الدوام في الفكر التنموي ومنظومة حقوق الإنسان. كما بين الفصل واقع المرأة كضحية مستهدفة بجميع أشكال العنف في مناطق الحروب والنزاع، وبالإضافة الى دورها الفاعل في جهود فض الصراع وإحلال السلام.
وتناول الفصل الرابع الجديد في المجتمع المدني بعد الربيع العربي. وانطلق بتحليل طبيعة الحراك الشعبي عام 2011، ودور المنظمات المدنية القديمة والجديدة فيه. وتوصل الفصل إلى “نمذجة” لأشكال من التحرك الجديدة تعبر عن تطور المجتمع المدني في تعايش وتفاعل بين الأشكال التقليدية من المنظمات والحركات الجديدة، وبروز حركات جديدة في دور تحويلي، واستجابة بعض المنظمات بما في ذلك التقليدية والنقابية لمهام جديدة.
وعرض الفصل الخامس تجارب ميدانية واقعية في التنمية المحلية، مثل دور المرأة في إدارة الموارد الطبيعية على المستوى المحلي، لاسيما إدارة المياه وملكية الأرض، والمرأة في التنمية الريفية والعلاقات والأدوار بين النساء والرجال على المستوى المحلي. وخلص الفصل إلى أن التنمية المحلية ليست تبسيطا للتنمية وأن الالتزام بأجندة 2030، يعني أن نكيف الاجندة ونعيد انتاجها محليا، لا ان نفرضها بصفتها نموذجا خارجيا مسقطا على عمل الفاعلين المحليين والناس.
وأتى الفصل السادس مخصصا للإعلام والمرأة وأجندة 2030 نظرا لما تطرحه من تحديات متجددة على وسائل الإعلام عامة والمحلية منها على وجه الخصوص، باعتبارها أجندة تحويلية، على الرغم من أنها لم تول الإعلام والبعد الثقافي الأهمية التي يستحقانها. فالطابع المعقد نسبيا لأجندة 2030 يجعل من طرح القضايا والمسائل المرتبطة بالأجندة ومناقشتها وتحويلها إلى مادة إعلامية موجهة للجمهور العريض مسألة ضرورية مع أنها تتطلب بذل جهد أصيل من أجل تبسيط مضمونها، دون إفراغها من محتواها التغييري، وهو أمر لا يزال محدودا. وجاء الفصل الأخير مرتكزا للمعطى الثقافي في التصدي لمبادئ حقوق الإنسان والحريات العامة والفردية، بما هو معطى لا تنفرد به المنطقة العربية، ومتضمنا خلاصات التقرير والتحديات الأبرز والتوصيات.
وتضمن القسم الأخير توصيات حول المساواة بين الجنسين في أجندة 2030 وأخرى عملية وإجرائية، من أهمها
عدم عزل قضية المرأة عن مجمل مسار التحول المجتمعي بما فيه البعدين السياسي والثقافي.
الابتعاد عن تجزئة الهدف نفسه والفصل بين مقاصده: فلا يكفي أن تحقق تقديما في مقصد واحد وأن يتحسن مؤشر محدد من أجل تحقيق الهدف الخامس.
التركيز على السياسات بدل المشاريع وتنويع الاستراتيجيات وعدم السماح باختزال النضال من أجل المساواة بالإجراءات الجزئية،
عدم عزل قضية المرأة عن اعتماد سياسات تنموية متسقة.
إيلاء الجانب المجتمعي والثقافي لقضية المساواة أهمية قصوى.
كما تضمن التقرير توصيات عملية من شأنها تعزيز التشبيك على المستوى العربي الإقليمي ووضع استراتيجيات عمل وتعزيز الحوار والنقاش حول بعد المساواة في الاجندة، وكذلك معاضدة دور القطاع الخاص والمجتمع المدني.