خاص هوى الشام من وسام الشغري| أقبل شهر الصوم هذا العام بنكهة خاصة، نكهة مطعمة بالتحرير، بعد الخلاص من استبداد دام عقوداً طويلة وتحضر عادات رمضانية يحرص السوريون عليها خلال الشهر الكريم.
كل مدينة سورية لها عاداتها وتقاليدها المتوارثة عبر الأجيال، وخاصة في شهر رمضان المبارك، وكان لمدينة دمشق النصيب الأكبر من هذه العادات، ولعل أهمها تكريزة رمضان.
تكريزة رمضان
تقليد دمشقي متبع منذ قرون، يقوم به الدمشقيون للترحيب بالشهر الفضيل وتوديع شعبان.
وعن هذا الموضوع تتحدث ناهدة كيلاني اختصاصية آثار ومهتمة في التراث:
التكريزة عادة دمشقية قديمة توارثتها الأجيال لاستقبال رمضان؛ إذ يجتمع الأهل والأصدقاء والجيران قبل حلول رمضان بأيام لتوديع شعبان والاستعداد بروح حماسية ملأى بالمحبة لاستقبال رمضان.
وتتابع كيلاني: يقرر هذا الجمع القيام بنزهات حول دمشق، أو ربما يجتمعون في بيت أحدهم أو حتى إحدى المزارع؛ ليتبادلوا التهاني ويحملوا في جعبتهم الكثير من الحب والألفة تهليلاً بقدوم خير الشهور.
وتضيف: يتفنن الدمشقيون في تحضير الطعام فتراهم يختارون من الأطعمة أطيبها وأكثرها شهرة في دمشق، من ثم يجتمعون حول المائدة؛ إذ قد تكون وسيلة لتقريب وجهات النظر وحل الخلافات العالقة.
وتؤكد كيلاني أن السهرات لا تخلو من الأجواء الحماسية والتسلية والتسامح والتسامر، فلا ينتهي اليوم إلا والجميع قد أشبع من الطعام ومن المرح أيضاً.
وعن أصل كلمة تكريزة تقول كيلاني: إن الكلمة قديمة جداً، منهم من يقول بأنها تعني الوداع وآخرون يقولون إنها بمعنى “السيران”، وهي كلمة دمشقية تعني النزهة.
عادات لا تموت
السيدة وصال داوود تخبرنا عن أجواء عائلتها وتقول: اعتدنا في كل عام أن نحتفل بقدوم شهر الخير رفقة العائلة وسط أجواء لا تخلو من المحبة والألفة والمرح.
وتتابع: في الحقيقة، لقد اعتدنا ألا نعد الطعام، فنطلبه من المطاعم، لتكون السهرة خاصة بنا وبالعائلة ولا ننشغل بتحضير الطعام ونفوت لحظات الود التي لا تتكرر.
وعلى عكسها فالسيدة حنان مجيد ارتأت أن التكريزة لا تتم من دون أن نجتمع في بيت العائلة العربي القديم، حيث نجتمع حول البحرة وشجرة الليمون ترخي بظلالها علينا ونكون قد أعددنا بأيدينا أطايب الطعام المشهور في مدينة دمشق، ولا ننسى من هم بحاجة أيضاً لتدوم علينا بركة الشهر الفضيل، ثم نتسامر طوال الليل حتى تبزغ الشمس معلنة قدوم يوم جديد.
السيد أحمد عبد الله يقول: لتكريزة رمضان خصوصية في عائلتنا، ورغم الضائقة التي مرت فيها البلاد، إلا أننا لا ننسى تكريزة رمضان، ولو بأبسط ما يقدم، فاستقبال رمضان والاجتماع مع الأحبة كان دواء لنا من جراحات الحرب والفقر الذي فرضه علينا النظام البائد.
تكريزة رمضان عادة لا تموت.. باقية ومعلقة على أبواب دمشق القديمة وكأنها نسخة من مخطوط قديم لا يريد الدمشيقون له الاندثار، فحافظوا عليه كما يحافظون على أرزاقهم وأسرهم.
(( تابعنا على الفيسبوك – تابعنا على تلغرام – تابعنا على انستغرام – تابعنا على تويتر ))