هوى الشام
أحدثت الجامعات الخاصة في سورية وكان الهدف منها رفع مستوى التعليم لتشكل جزءا مهما من المنظومة التعليمية.. ولكن غياب إستراتيجيات واضحة أدى إلى صدور عدة قرارات وصفت بأنها غير مبررة وغير مفهومة وقد تؤدي إلى إغلاق الجامعات الخاصة بدلاً من دعمها والأخذ بعين الاعتبار دورها التكميلي في العملية التعليمية برمتها؟!.
وبدلا من سعي الوزارة لدعم استمرار عمل الجامعات الخاصة ونجاحها من خلال توفير جميع الوسائل والأسباب لحماية هذه التجربة وإنضاجها ما ينعكس إيجاباً على المستوى الوطني ولأجيال قادمة، إلا أنها حسب مختصين ومتابعين عمدت إلى إصدار عدة قرارات طالت أداء الجامعات الخاصة، فانعكس الأمر سلباً على الطلاب وعلى العملية التعليمية، في الوقت الذي تزداد فيه الحاجة للتعليم العالي الخاص في سورية.
قرارات لم يعرف الهدف منها ولم تتم دراسة آثارها السلبية في الطلاب ولا في العملية التعليمية والغريب في الأمر استبعاد الجامعات الخاصة عن المشاركة في صنع هذه القرارات وحصر دور الجامعات الخاصة بتنفيذ تلك القرارات بكل منعكساتها دون استشارتها أو حتى الاستماع إلى شكواها ورأيها.
وللدخول في التفاصيل وحسب انتقادات طالت المعنيين في صنع القرار التعليمي، تم على سبيل المثال مؤخراً منح عدة جامعات موافقات وتراخيص لإحداث كليات الصيدلة بغض النظر عن محدودية عدد أساتذة الصيدلة المطلوبين لتحقيق الملاك وتنفيذ القرار!.
كما تمت مناقشة ودراسة قرار نظام الإعارة للأساتذة بين الجامعات لمعالجة محدودية الدكاترة وتعدد التراخيص الممنوحة، الأمر الذي أفسح المجال أمام مزاد علني لزيادة أجور الأساتذة في الكليات الطبية، وأدى إلى رفع أجورهم أوتوماتيكياً وازدياد كلفة استقدامهم إلى الجامعات الخاصة ما انعكس على ارتفاع قيمة الأقساط الجامعية وبالتالي زيادة الأعباء المالية على الطلاب وذويهم الذين فضلوا العزوف عن تعليم أبنائهم لعدم قدرتهم على دفع الأقساط المرتفعة أصلاً والتي أدت هذه القرارات إلى مضاعفتها مرة ثانية.
تساؤلات بالجملة حول الهدف من لجوء الوزارة لإصدار (قرارات غير مدروسة) شكلت أولى نتائجها ازدياداً في الأعباء المالية على الطلاب وعدم قدرتهم على مواصلة تحصيلهم العلمي وفق رغباتهم وقدراتهم.
ومن جملة القرارات التي وصفت بغير المنطقية، منع أستاذ المقرر (في الجامعة الحكومية) في التدريس في الجامعات الخاصة خلال الأيام العادية، وحصر عملية التدريس فقط في يومي العطلة مع فرض عقوبات بحق المخالفين للقرارات الصادرة وهذا سوف يؤثر في الجامعة وفي مسيرتها العلمية وفي إستراتيجيتها وخططها المستقبلية.
والسؤال: كيف يتم إصدار القرار، ولم يحدث لغاية تاريخه درجة الدراسات العليا في الجامعات الخاصة، كما لا يوجد إيفاد داخلي فيها،؟؟!.. دون أن يمنع الأمر سعي الجامعات الخاصة لبناء الكادر التدريسي الخاص فيها.
في السياق ذاته صدرت مؤخراً قرارات أشد وطأة وتأثيراً في العملية التعليمية تم اتخاذها دون الاحتكام إلى أبسط القواعد الاقتصادية والأكاديمية وذلك من خلال تحديد وتخفيض عدد الطلاب في الكليات الطبية في الجامعات الخاصة قبل أسبوعين من فتح باب التسجيل للعام الدراسي في وقت كانت الكليات فيه قد أكملت طواقمها التدريسية والتشغيلية استعداداً لعام دراسي جديد بأعداد طلابية تتناسب مع الطاقة التشغيلية لهذه الكليات أسوةً بالسنوات السابقة؟.
وشكل قرار الوزارة صفعة في وجه الجامعات دون الأخذ بعين الاعتبار حجم الاستثمارات المشغلة لديها والطاقة الاستيعابية لكل جامعة منها
وهل من العدالة بمكان أن تخضع كل الجامعات بغض النظر عن حجم استثماراتها وطاقتها الاستيعابية ونتائجها العلمية والبحثية لنفس العدد!
إن هذا الإجراء وضع الطلاب وذويهم أمام خيارين «أحلاهما مر» إما أن تتم دراسة ما لا يرغب به الطالب، أو أن يضطر للسفر ليدرس ما لاطاقة له به، وفي كلتا الحالتين يكون الطالب قد دفع الفاتورة مرتين؟!!
ليضطر الطالب لدراسة فرع لا يرغب به أو دفع الأقساط بالعملة الأجنبية إضافة إلى تكاليف الإقامة والسفر لأن عدد الطلاب الراغبين بالتحصيل العلمي العالي تتجاوز نسبته الطاقة الاستيعابية للجامعات الحكومية والخاصة مجتمعين.
وحسب جملة الشكاوى، فإن مثل هذه القرارات ستدفع الطلاب حتماً إلى البحث عن الجامعات في الدول الأخرى، وبالتالي تتفاقم المشكلة وتزداد الخطورة، في بدء عملية الهجرة وما يرافقها من فقدان في الطاقات البشرية وحرمان الدولة منها ونزف حاد للقطع الأجنبي ولاسيما أن التكاليف مضاعفة في الدول المجاورة.
وما دامت معادلة نسبة الطالب إلى الأستاذ محققة وفق قواعد الاعتماد العلمي.. فماذا يمنع من زيادة عدد المقاعد في الجامعات الخاصة، علما أن 23 جامعة خاصة تضم كليات طبية تلقى رغبة شريحة كبيرة من المسجلين فيها.
كما أنه عندما يتم تقييد جامعة بكامل طاقتها الاستيعابية بعدد قليل من الطلاب وتكون طاقتها الاستيعابية أكبر من ذلك وكلفتها التشغيلية كبيرة ستعمد هذه الجامعات حتماً لتوزيع أعباء الكلف الثابتة على هذا العدد القليل، ما سيؤدي إلى رفع الأقساط بشكل كبير حتى يتم تعويض وسد النقص الحاصل في الريعية الاقتصادية لمثل هذا النوع من الاستثمارات، وبالتالي سيؤدي إلى ارتفاع الأقساط وتحميل الطالب وذويه أجوراً أعلى.
بالنهاية تزداد المشكلة وتتفاقم الأزمة ويقع على عاتق الطالب وذويه العبء الأكبر في تحملها رغم مبررات الوزارة بأن الهدف من خفض العدد هو مراعاة الجودة العلمية والنوعية في الجامعات الخاصة.
ما سيق يوضح غياب إستراتيجية واضحة للتعامل مع الجامعات الخاصة كما يعكس غياب المرونة لدى الكثير من القرارات التي حسب مصادر أكدت لـ«الوطن» أنها صدرت بشكل لم يرض معظم الجامعات الخاصة، ويدعو إلى وضع توجه جديد لدى الوزارة في تعزيز دور ومكانة الجامعات لا وضع العجلات أمامها، مع طرح حلول وإيجاد بدائل منصفة تخص أي قرار صادر بحق الجامعات الخاصة.
ومن الغريب بمكان وغير المنطقي أيضاً إصدار قرار غير منصف للجامعات الخاصة وبحضور ممثلين عن هذه الجامعات داخل مجلس التعليم العالي؟!
والسؤال الذي يطرح هنا: هل يتم الضغط على ممثلين التعليم الخاص ليوافقوا على قرارات مجحفة بحقهم؟ أم إن القرارات تصدر من خارج مجلس التعليم ودون علمهم؟ أم إن عددهم القليل داخل مجلس التعليم لا يسمح لهم بالاعتراض على القرارات وسط آلية تصويت تمنح الغلبة للقطاع العام وقرارات الوزارة!!
وناشد عدد من الطلاب والأهالي والمستثمرين رئيس مجلس الوزراء إيلاء الاهتمام الأكبر من الحكومة بالتعليم العالي الخاص للحد من تخبط القرارات غير المسؤولة وغير المدروسة التي مصيرها هدر المال العام وهجرة عدد من الطلبة وحرمان الدولة من مواردها البشرية والمالية في وقت بدت الحاجة ماسة والضرورة قصوى للحفاظ على ما تبقى بعدما أضاعت سنوات الأزمة والحرب القسم الأكبر منها.