سوريا بعد التحرر من نظام الأسد

خاص هوى الشام | إعداد : يسرا القرعان | مشهد ما كان بالإمكان تخيل حدوثه، وبدون سابق إنذار أو ترتيبات مسبقة، كتب لسوريا حاضرا جديدا وملامح يترقب الشعب السوري أن يكشف عنها النقاب.. لقد سقط نظام الأسد وسوريا تحررت فما هو مستقبل سوريا بعد التحرر من نظام الأسد.

هل ستغير هذه البلاد شكل وصورة الشرق الأوسط ؟ يختلف وضع سوريا الآن عن باقي الدول التي تتضح فيها أسس الدولة من دستور وشكل محدد للسيادة والنظام السياسي، والحدود الجغرافية، إذ أصبحت بحكم الثورة بلا دستور معتمد أو نظام سياسي وحدود واضحة، ويشكل هذا تحديًا كبيرًا للسلطات الجديدة.

هيئة تحرير الشام، السورية الحالية تتسم بتعدد الأطياف بين الفصائل المسلحة ذات المرجعيات الإسلامية والأيدلوجية إلى جانب القوى السياسية الليبرالية، وهذا التنوع يمثل تحديًا للوصول إلى توافق حول شكل الدولة المقبلة.

 أبرز الفصائل العسكرية (القوات المعارضة) والقوى السياسية في سوريا :

بعد حرب استمرت نحو 14 عاماً استطاعت الفصائل العسكرية اسقاط حكم الأسد، في معركة أطلق عليها اسم “ردع العدوان” في 27 نوفمبر الماضي، فانطلاقًا من حلب، ثم حماة، ثم حمص، حتى انهيار قوات النظام بشكل مفاجئ في العاصمة دمشق خلال الساعات الأولى من فجر الأحد، إذ بدت المعركة  منظمة بدرجة كبيرة على خلاف العقد الماضي، وتعمل ضمن تحالف أطلقت عليه اسم “إدارة العمليات العسكرية”، فمن هي هذه الفصائل؟ وما هي اسماؤها وما انتماؤها وأين أماكن تمركزها الآن ؟

منذ نهاية العام 2011 انتقلت الإنتفاضة السلمية ضد النظام إلى المسلحة، وبدأت تتشكل هذه الفصائل بضباط وجنود منشقين عن النظام ثم من السكان المحليين، إلى جانب جماعات دينية، وفي خضم الصراع في ما بينها من جهة، والقتال ضد قوات النظام من جهة ثانية وما أفضى إليه من تراجع بحلول عام 2018، تم حل الكثير من الفصائل، وبقيت بعضها في إطار صفقات الانتقال إلى الشمال السوري أو مصالحات برعاية وضمانات روسية أو تسويات مباشرة مع نظام الأسد.

الفصائل الحالية التي استطاعت السيطرة على معظم الأراضي السورية، عملت ضمن غرفة العمليات الرئيسية “ردع العدوان”، إضافة إلى غرفة عمليات “فجر الحرية” التي نفذت أنشطة عسكرية ضد قوات سورية الديمقراطية “قسد” في بعض المناطق في شمال البلاد.

ردع العدوان

تولت “هيئة تحرير الشام” قيادة العمليات العسكرية في الأسبوعين الماضيين، وهي أقوى فصيل حالياً في سورية، ومرت بتحولات كبيرة في السنوات الماضية، فقد تأسست عام 2012 باسم “جبهة النصرة“، وتحالفت مع “داعش” قبل أن تنفصل عام 2013 وتبايع زعيم “تنظيم القاعدة” أيمن الظواهري، ثم أعلنت فك ارتباطها عام 2016 وغيّرت اسمها إلى “جبهة فتح الشام” ثم “هيئة تحرير الشام”.

ومنذ تأسيسها، يقود الهيئة المدرجة في “قوائم الإرهاب” الأميركية والعالمية، أحمد الشرع، المعروف بـ” الجولاني”، والذي انضم لجماعات متشددة لقتال القوات الأميركية في العراق عام 2003، قبل أن يعود إلى سوريا بعد عام 2011، لينخرط في الصراع السوري، وعلى غرار تنظيمه مرّ الشرع بتحولات تُمثل انقلاباً على سيرته السابقة.

وتُشكّل مجموعة “العصائب الحمراء” قوات النخبة في “هيئة تحرير الشام“، حيث استطاعت حسم العديد من المعارك الأخيرة ضد قوات الأسد، وذلك بفضل الإمكانيات التي تتمتع بها، بحسب تقارير، من خلال التدريب والتسليح، والقدرة على اختراق الخطوط الأمامية.

كما قاتلت تحت لواء “ردع العدوان“، فصائل أخرى تعمل ضمن “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا، وهو عبارة عن تحالف لفصائل كانت تابعة لـ”الجيش السوري الحر“.

ومن فصائل الجيش الحر التي شاركت في المعارك أيضاً “جيش العزة“، ينشط شمال سوريا، وتحديداً ريف حماة، ويتزعّمه الرائد جميل الصالح.

وهناك أيضاً “جيش الإسلام” الذي كان واحداً من أقوى الفصائل على الساحة السورية، وتركزت مواقعه في غوطة دمشق الشرقية، إلا أنه اضطر إلى عقد صفقة خرج بموجبها من المنطقة باتجاه الشمال السوري، وكان يتزعمه زهران علوش قبل اغتياله بغارة جوية عام 2015، ثم خلفه عصام البويضاني.

العصائب الحمراء”.. قوات خاصة تراهن عليها “هيئة تحرير الشام” في حسم المعارك المعقدة.

فجر الحرية”

أما غرفة عمليات “فجر الحرية” فرغم أنها ساندت “هيئة تحرير الشام” في بعض المعارك، إلا أن عملياتها الرئيسية تركزت شمالي سورية، وتحديداً على نقاط التماس مع قوات سوريا الديمقراطية، إلى جانب السيطرة على بقايا المواقع العسكرية التابعة لنظام الأسد.

وتضم الغرفة مجموعات عديدة، تلقى بعضها الدعم والتسليح والتدريب من تركيا، منها “فرقة السلطان مراد“، و”فرقة السلطان سليمان شاه“، و”فرقة الحمزة“، و”جيش الإسلام“، وفصيل “الجبهة الشامية”.

 “حركة أحرار الشام

 ذات التوجه الديني، من أوائل الفصائل التي تشكلت مع بداية الحرب في سورية، شمالي البلاد، وكانت واحدة من أقوى الفصائل على الساحة، لكنها تلقّت عام 2014 ضربة قاسية، عندما استهدف طائرات أحد مقراتها تحت الأرض عندما كان قادتها في اجتماع، ما أودى بحياة 40 منهم على الأقل.

وكانت “أحرار الشام” من الفصائل التي سيطرت على مدينة الرقة عام 2013، قبل أن يستأثر تنظيم “داعش” وحده بالمنطقة ويرد باقي الفصائل.

“فصائل الجنوب”

كانت فصائل درعا أول كتائب المعارضة التي وصلت إلى دمشق، واستطاعت تأمين رئيس وزراء النظام السابق، ليتولى مهامه ريثما يتم ترتيب الأوضاع في سورية وكانت درعا تضم العديد من الفصائل المسلحة المناهضة لنظام الأسد، وأبرزها ألوية “الجيش الحر”.

غادرت أبرز الفصائل إلى الشمال، بقيت بعضها وأعادت تشكيل نفسها بالتنسيق مع روسيا، ومنها “اللواء الثامن“، وهذا الأخير “الفيلق الخامس” والذي كان من أوائل قوات المعارضة التي وصلت دمشق.

جيش سوريا الحرة

بعد أن سيطرت الفصائل على حلب بسهولة، بدأ “جيش سورية الحرة” التقدم من البادية الشرقية لسورية باتجاه الغرب، حيث استولى على عدة نقاط من قوات الأسد، وسيطر على مدينة تدمر التابعة لريف حمص.

وهذا الفصيل تأسس على يد مجموعة من المنشقين عن قوات النظام السابق،عام 2015، باسم “جيش مغاوير الثورة“، وهو مدعوم من الولايات المتحدة ويتلقى دعمه وتسليحه وتدريبه من القوات الأميركية في قاعدة التنف شرقي سورية، المحاذية للحدود العراقية السورية غربي الأنبار.

وتتمثل المهمة الرئيسية لـ”جيش سوريا الحرة” في طرد تنظيم “داعش” من شرق سورية.

قوات سوريا الديمقراطية

تُعتبر “قوات سوريا الديمقراطية” من أقوى الفصائل المسلحة في سورية وتُشكل الوحدات الكردية بجناحيها (حماية الشعب وحماية المرأة) التابعة لحزب الإتحاد الديمقراطي الجناح السوري لحزب “العمال الكردستاني” عمودها الفقري وهذا الحزب تدرجه العديد من الدول في قوائم الإرهاب.

“قسد”

تم تشكيلها مع بدء توسع الصراع المسلح في سورية وازدياد نفوذ “داعش“، وهي قوات كردية بدعم أميركي

وتُسيطر “قسد” على مناطق واسعة شمالي وشرق سورية، في الحسكة، والرقة، ودير الزور، وريف حلب، لكنها تتعرض لهجمات متكررة من القوات التركية والفصائل السورية التابعة لها.

ولم تشارك القوات الكردية في المعارك الأخيرة التي أدت إلى إسقاط نظام الأسد، وكانت تتركز أولويتها بالحفاظ على مناطق سيطرتها، ومنع تقدم فصائل المعارضة باتجاه مواقعها.

القوى السياسية المعارضة

في ضوء الانهيار السريع لنظام الأسد، بدأت التساؤلات حول المعارضة السياسية السورية التي قد تتولى في المرحلة المقبلة لقيادة التغيير في البلاد، إذ توجد عدة تيارات تختلف في توجهاتها وأهدافها وأساليبها.

أبرز هذه التيارات هو “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية“، والذي يُعد التحالف الأكبر والأكثر تمثيلاً للمعارضة السورية على المستوى الدولي، وتأسس في نوفمبر 2012 ويضم ممثلين التيارات المدنية والإسلامية والليبرالية، ويترأسه حالياً هادي البحرة.

>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>

جولة في شخصية الجولاني .. وماذا يريد؟ وكيف تطورت أفكاره وشخصيته ؟

تحولات الفكر والأداء

على خلاف الصورة النمطية للقادة السياسيين، لا يزال الشرع في منتصف شبابه، إذ يبلغ عمره اثنين وأربعين عاما، قضى نصفها في حروب وصراعات طاحنة، وبخلاف التصور المعتاد حول المقاتلين أيضا، يمتلك الرجل حضورًا إعلاميا، وظهر في المقابلات القليلة التي أجراها، وهو متحدث هادئ ومفوَّه، ما مَكَّنه من تقديم نفسه ورسائله بشكل جيد مؤخرًا، لكن هذه الصورة التي يبدو عليها ليست وليدة اليوم، وإنما سكبتها التجارب على مدار أكثر من عقدين.

بدأ الشرع، أو الجولاني كما عُرف حتى وقت قريب، مسيرته شابا مقاتلا ترك بلاده ودراسته للالتحاق بصفوف المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأميركي بعد الغزو عام 2003، ومع اندلاع الثورة والحرب في سوريا انخرط الشرع في مواجهة قوات الأسد في سوريا، وقاد جهود تأسيس “جبهة النصرة” بدءا من أواخر عام 2011، حيث أسسها بتوجيه من قيادة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق الذي كان يتبع تنظيم القاعدة آنذاك. ولكن بحلول منتصف عام 2013، وقع الشقاق بين القاعدة وتنظيم الدولة، فانفصل الشرع بجبهة النصرة عن تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق، والتزم بالبيعة لأيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة.

في مقابلته الأخيرة مع شبكة “سي إن إن”، حرص الشرع على تقديم تلك الفترة بوصفها حقبة ولَّت من حياته، مؤكدا أن أفكاره الحالية لا تتشابه مع التنظيمات التي انتمى إليها يوما ما، وأنه لم يشارك يوما في ترويع أو استهداف المدنيين، وأن نضاله اليوم يسعى إلى تحرير سوريا فقط.

بدأت رحلة هذا التحول عام 2016، حين قرر الشرع أن يميط اللثام عن وجهه، معلنا الانفصال الكامل عن القاعدة، وتغيير اسم تنظيمه إلى “جبهة فتح الشام”، التي سرعان ما اندمجت مع عدد من الفصائل المسلحة، مثل حركة “نور الدين الزنكي” و”لواء الحق” و”جبهة أنصار الدين” و”أنصار السنة”، مُشكِّلة “هيئة تحرير الشام” في 28 يناير/كانون الثاني 2017

حاول الشرع أن يُظهر أن هذا الانفصال لم يكن إجرائيا أو شكليا، كما استغل كل مناسبة ممكنة عقب الانفصال لإعادة تقديم نفسه وتقديم تنظيمه في صورة مغايرة، بدرجة كبيرة، للصورة التقليدية للتنظيمات الجهادية السلفية. ففي مقابلة مع الصحفي الأميركي “مارتن سميث” في أبريل/نيسان 2021، خرج الشرع مرتديا “بدلة” حديثة مختلفة عن الزي العسكري أو العمامة التي اعتاد الظهور بها. كما فاجأ المراقبين بتوجيه رسائل هادئة إلى المجتمع الدولي مطالبا بإعادة النظر في إدراج الهيئة على قائمة التنظيمات الإرهابية، ونافيا بشدة نيته محاربة الولايات المتحدة والغرب، وأشار الشرع في اللقاء نفسه إلى أن مقاتلي هيئة تحرير الشام لم يترددوا في مواجهة تنظيم الدولة عسكريا.

كان الشرع قد بدأ في 2019 في توحيد الفصائل العسكرية التي لجأت إلى إدلب بعد تراجعها أمام هجمات قوات النظام السوري، وذلك إثر نشوب اقتتال داخلي بين هذه الفصائل، فأسس “غرفة عمليات الفتح المبين” لتكون مسؤولة عن تنسيق العمليات، وفي منتصف 2020، اتخذ قرارا بتوحيد الجهد العسكري، ومنع تشكيل أي فصيل أو غرفة عمليات أخرى في المناطق الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام.

لم تكن عملية توحيد الجهد العسكري سهلة، بل لاقت معارضة من أطراف مختلفة، وخاضت الهيئة بقيادة الشرع، معارك أمنية وعسكرية ضارية ضد خلايا تنظيم الدولة وتنظيم حراس الدين المرتبط بالقاعدة، وربما يكشف ذلك عن أن الشرع كان جادا تماما في الانفصال عن ماضيه المتعلق بكلا التنظيمين.

وحتى في إستراتيجيته العسكرية، ثمة مؤشرات يمكن التقاطها تشي بأن الشرع حاول إبداء قطيعة مع النهج الإستراتيجي لكلٍّ من القاعدة وتنظيم الدولة، فلم يلتزم بالإستراتيجية التقليدية للقاعدة التي تنطلق من كون التنظيم في “مرحلة دفع صائل وليس في مرحلة إقامة دولة”، كما كان يقول مؤسس التنظيم أسامة بن لادن، حيث أظهر الجولاني اهتماما كبيرا بالحكومة وبناء مؤسسات سلطة محلية في الأراضي التي استولت عليها الهيئة، كذلك فإنه ابتعد عن إستراتيجية تنظيم الدولة المنطلقة من استحضار “ملاحم آخر الزمان”، التي طبعت آثارها على خطابه، كما كان يقول أبو محمد العدناني، المتحدث باسم تنظيم الدولة، مخاطبا الغرب “سوف نفتح رُوماكم، ونكسر صلبانكم، ونسبي نساءكم، ونبيع أبناءكم في سوق النخاسة”.

وعلى عكس التنظيمين اللذين يتبنيان رؤية عالمية أيضا، لم تظهر دلائل طوال السنوات الماضية على أن الشرع حاول تنفيذ أية عمليات خارج سوريا، ولو ضد الدول التي تدخلت لدعم الأسد مثل روسيا وإيران، وتعمد إرسال رسائل عدة بأن هدفه هو تغيير نظام الأسد فقط، دون الإضرار بمصالح أي أطراف أخرى، محاولا بذلك تفادي تصنيفه ضمن تنظيمات “الجهاد العالمي”، بيد أن الشرع وتنظيمه بقيا مصنفين على قوائم الإرهاب الأميركية، لكن في مستوى دون تنظيمات الدولة والقاعدة، ومن المحتمل أن يكون ذلك أحد أسباب تجنب الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة استهدافه شخصيا أو استهداف عناصر تنظيمه.

وفي حين يثق البعض بأن خطاب أحمد الشرع (الجولاني) وأداءه الميداني يثبتان بالفعل جدية تحولاته الفكرية وتطور مهاراته السياسية، يتشكك آخرون في مدى وصول هذه التحولات إلى درجة من الثبات والاستمرارية، وأنها لم تكن مجرد عملية تكيُّف براغماتية مؤقتة. وردا على سؤال حول ما إذا كانت تقلباته الفكرية قد وصلت إلى نهايتها أم أن ثمة تقلبات أخرى قد تأتي لاحقا، يقول الشرع في مقابلته مع “سي إن إن” في 6 ديسمبر/كانون الأول 2024: “إن الأفعال هي التي ستُثبت جدية تحولاته الفكرية وليست الأقوال”.

كيف حكم إدلب؟

في الحقيقة، لقد سعى الشرع خلال السنوات الماضية إلى تحويل إدلب إلى نموذج عملي لرؤيته لمسائل الحكم والسلطة. ففي مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2017، تشكَّلت في إدلب حكومة الإنقاذ السوري، بدعم من هيئة تحرير الشام، تبع ذلك أسابيع من الصراع بين الحكومة الجديدة والحكومة السورية المؤقتة المدعومة من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، حيث قالت الأخيرة إن هيئة تحرير الشام قامت، من جانب واحد، بحل العديد من المجالس المحلية التابعة لها.

وبحلول نهاية العام، أصدرت حكومة الإنقاذ تحذيرا دعت فيه الحكومة المؤقتة إلى إخلاء مكاتبها من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة لتتولى هي السلطة فعليا. وقد تركت الهيئة لحكومة الإنقاذ مهام الإدارة المدنية ومن بينها إدارة جهاز الشرطة، مع الاكتفاء بدور الإشراف عليها. ومن جانبها، سعت الحكومة إلى تعزيز وجودها المجتمعي عبر تنفيذ مشروعات خدمة مدنية افتتح بعضها الشرع بنفسه، مثل إنشاء مدينة صناعية، إلى جانب إصلاح الطرق وشبكات المياه والصرف الصحي، وتقديم قروض زراعية لدعم المزارعين. كما عمل الشرع على مأسسة قواته العسكرية وإضفاء بعض سمات القوات النظامية عليها، من خلال إنشاء كلية عسكرية.

لاحقا، شكَّلت حكومة الإنقاذ ما عُرف باسم “إدارة الشؤون السياسية” منذ أبريل/نيسان 2022، لتكون مختصة بالتعبير عن المواقف السياسية التي تُمثِّل الحكومة، وكان أول بيان سياسي نشرته عبر حسابها على موقع “إكس” تعليقا على مجزرة التضامن التي اتُّهم فيها جنود الجيش السوري بإعدام عدد من المعتقلين السوريين والفلسطينيين، وإلقائهم في حفرة بحي التضامن في دمشق.

وفي المجمل يمكن القول إن الشرع والهيئة وحكومة الإنقاذ قد حاولوا، بدرجة ما، تقديم نموذج إداري يسيّر الحياة نسبيا مقارنة بمحدودية الموارد وتكدس اللاجئين وصعوبة الأوضاع الأمنية، فضلا عن العزلة عن العالم. ولكن رغم هذه الخطوات، ثمة تحديات هائلة ومعقدة تعرض لها مشروع الشرع في حكم إدلب، وستُضاف إليها طبقات أخرى من التعقيد مع توسع المناطق الواقعة تحت سيطرته العسكرية، فلا يزال الجولاني مدرجا على قوائم الإرهاب الأميركية، ولا يزال تنظيمه كذلك.

وفي ظل هذه الأوضاع، ربما يكون من الصعب الحصول على الاعتراف الدولي الذي يُمكِّن من ربط اقتصاد سوريا بالعالم والخروج من حقبة العقوبات والانهيار المالي والاقتصادي، ومع أن الشرع في خطابات سابقة قد أبدى المرونة في التعامل مع المنظومة الاقتصادية العالمية، لكن هذه الخطوات لم تُقابَل بخطوات عالمية مماثلة في حالة حكم إدلب، ومن المرجح ألا تجد أيضا حلولا سريعة فيما بعد إدلب، حيث ستكون سوريا أمام مخاض طويل للتوافق على شكل مناسب للسلطة في مرحلة ما بعد الأسد، والحصول على اعتراف دولي بهذه السلطة، ولن تكون تلك مهمة سهلة في ظل تعدد الفاعلين في الملف السوري وتضارب مصالحهم، وغياب التجانس في صفوف المعارضة نفسها.

ردع العدوان.. الإدارة السياسية

لا شك أن الجولاني، أو أحمد الشرع كما قدمته عملية “ردع العدوان”، يدرك هذه التحديات، ودفعه ذلك لاستباق الزمن سعيا لمعالجتها. وبالتزامن مع انطلاق العمليات العسكرية مؤخرا ضمن عملية “ردع العدوان”، حرص الشرع على توجيه رسائل سياسية هادئة عبر مقاطع مصورة قصيرة، ومن خلال لقاءات مع وسائل إعلام غربية، فضلا عن إصدار “إدارة الشؤون السياسية” التابعة لهيئة تحرير الشام بيانات متتالية تحمل المضامين الهادئة ذاتها، في محاولة للتناغم بين العمل السياسي والإعلامي والعسكري، بشكل متميز عن الأداء السابق للثورة السورية.

وفي لقائه مع “سي إن إن” في 6 ديسمبر/كانون الأول الحالي، حرص الشرع بشكل لافت على الابتعاد عن الخطاب العقائدي، مركِّزا على انتقاد السلوك السياسي لحكومة الأسد، قائلا إن “عقل النظام لا يتقبل حلولا سياسية”، وإن الفساد قد انتشر بشكل هائل في جسد الدولة والحكومة، وإن سوء إدارة سوريا أفقرها بدلا من إدارة مواردها بكفاءة. وقارن الشرع، في اللقاء ذاته، بين سلوك قوات الحكومة وسلوك فصائل المعارضة، فأكد أن المدن التي دخلتها لم تعانِ من تدمير أو يتعرض أهلها إلى تنكيل، بعكس المدن التي استعادتها قوات الحكومة سابقا، حيث تعرضت لإجراءات عقابية تجاه الأهالي.

أما الجانب الطائفي الذي مَثَّل سمة من سمات المشهد السوري خلال السنوات الماضية، فقد ابتعد عنه خطاب الشرع، مشيرا إلى أن المواطنين السوريين المسيحيين في حلب يعيشون بأمان بعد سيطرة المعارضة على المدينة، كما شدد على توجيه رسائل طمأنة إلى العلويين والدروز والإسماعيليين تطمئنهم على مستقبلهم، وتشدد على أنه لا يحق لأحد أن يلغي وجود طوائف أخرى أو يهمشها، وأن حكم القانون يُفترض أن يسود على الجميع.

لقد تواكبت تصريحات الشرع مع إصدار “إدارة الشؤون السياسية” لعدة بيانات، أحدها موجه لأهالي مدينة السلمية، التي يعيش بها مُكوِّن كبير من الطائفة الإسماعيلية، يطمئنهم على أرواحهم وممتلكاتهم، ويدعوهم إلى “الوقوف صفا واحدا ضد الظلم والاضطهاد”، فيما وُجِّه بيان ثانٍ لأبناء الطائفة العلوية في ريف حماة يدعوهم إلى فك الارتباط بنظام الأسد، وأن يكونوا جزءا من سوريا الجديدة التي لا تُعرف بالطائفية، حسب نص البيان.

ووُجِّه بيان ثالث إلى الأكراد بمدينة حلب يدعوهم إلى البقاء في المدينة للعيش فيها بحرية وكرامة، ويدين ما تعرضوا له سابقا من تنكيل على يد تنظيم الدولة الإسلامية، فيما ناشد بيان رابع أهالي قريتَيْ نبل والزهراء الشيعيتين بعدم الوقوف إلى جانب نظام الأسد، والتكاتف مع الشعب السوري لبناء دولة جديدة تحفظ تماسك نسيج المجتمع، وذلك بعد أن ساعدت هيئة تحرير الشام أبناء القريتين على الرجوع إلى منازلهم بأمان.

وفيما يخص العلاقات الخارجية، والدول التي لديها مصالح في سوريا، فقد حرص الشرع على الإشارة إلى حرصه على ألا تتحول سوريا إلى مصدر للأزمات لدول الجوار، وهو ما شدد عليه في كلمة مصورة قصيرة وجَّهها إلى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خاطبه فيها بألفاظ التوقير، داعيا إياه لعدم الزج بالعراق في شؤون سوريا الداخلية، في اتساق مع بيان وجَّهته إدارة الشؤون السياسية إلى الحكومة العراقية يطمئنها بأن سوريا الجديدة ستكون صديقة للعراق وليست مصدرا للتوتر بالمنطقة، وهو ما تكرر في بيان آخر مُوجَّه للشعب اللبناني بأطيافه كافة.

كما وجَّهت إدارة الشؤون السياسية بيانا إلى موسكو يشدد على أن الثورة السورية لم تكن يوما ضد أي دولة بما فيها روسيا، ودعاها إلى عدم ربط مصالحها بشخص الأسد ونظامه، وبناء علاقات إيجابية مع الشعب السوري تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، مع التعهد في بيان إضافي بحماية رعايا روسيا والصين في سوريا والبعثات الدبلوماسية للبلدين.

في المجمل، حرص الشرع وإدارة الشؤون السياسية أن يظهروا في مظهر رجال الدولة وليس رجال الفصائل والميليشيات، ولذا أشار الرجل في لقاء “سي إن إن” إلى أن “مستقبل سوريا لن يحدده شخص يحكمها، إنما مجلس شورى يصوغ دستورا ولوائح تنظيمية لإدارة شؤون البلاد”، وأن “هيئة تحرير الشام” نفسها مجرد وسيلة يمكن الاستغناء عنها إذا انتهت وظيفتها.

بيد أن الطريق لما يقوله الشرع أو الجولاني مليء بالتفاصيل والأسئلة الشائكة التي لم يطرح لها جوابا، ولا يبدو أن ثمة جوابا حاضرا حيالها، وهو ما يضع سوريا الجريحة والممزقة أمام مرحلة انتقالية، من المحتمل أن تكون عسيرة وقلقة للغاية. فرغم الانهيارات السريعة التي تعرضت لها قوات الأسد، فإن العديد من الأطراف لديها مصالح متضاربة داخل سوريا، ولديها أيضا مساحات نفوذ وسيطرة لم تُحسم حتى بعد فرار الأسد والسيطرة على دمشق. كما أن ميراث السنوات الأولى من الثورة السورية، والصراعات البينية التي وقعت بين فرقاء الثورة، والاختلافات الأيديولوجية وتضارب الرؤى والمصالح، وحضور تيارات “التطرف”، كل ذلك يُلقي بظلال ثقيلة على مستقبل البلاد.

لقد وضعت أربعة عشر عاما من الثورة السورية، وما رافقها من صراعات عسكرية وتدخلات خارجية، ما تبقى من البلاد على أتون من الانشطارات الطائفية والمناطقية، وتدهور اقتصادي حاد وقطاع مصرفي آيل للسقوط، ومؤسسات سياسية وأمنية ينخر فيها العطب والفساد، فضلا عن تعدد الفصائل المسلحة واحتمالية نشاط الكثير من الخلايا الكامنة، أربعة عشر عاما تلقي بظلال ثقيلة أمام مستقبل سوريا وأمام الشرع، وتضع أسئلة كثيرة حول واقع جديد يريد أن يرتسم، وماضٍ قريب يتلكأ في الانصراف.

أي مستقبل ينتظر سوريا بحسب آراء محللين وخبراء؟

سبق للجولاني أن أوضح في مقابلة له مع قناة “سي إن إن” الإخبارية الأمريكية، أنه يسعى إلى بناء مؤسسات دولة تتضمن كافة فئات المجتمع في البلاد. وفي هذا الصدد يوضح جيمس دورسي الخبير في الشأن السوري من معهد الشرق الأوسط في واشنطن “إن حقيقة عدم وقوع أعمال عنف ضد الأقليات حتى الآن هي “علامة تبعث على الأمل”.

السفير الألماني السابق في دمشق أندرياس راينيكه يبدو أكثر تشككاً، فهو يرى أن أيديولوجية تنظيم القاعدة لا تزال متجذرة في “هيئة تحرير الشام”. وأضاف لوكالة الأنباء الكاثوليكية (ك.ن.أ) أن مستقبل الأقليات المسيحية والكردية في سوريا معرض للخطر.

الأمر يعتمد الآن على القوى التي ستبسط نفوذها داخل الجيش الوطني السوري وعلاقتها بهيئة تحرير الشام التي يُنظر لها على الأغلب على أنها علاقة منافسة. لكن الميليشيات المناهضة للأسد في جنوب البلاد تلعب دوراً أيضاً في هذا كله.

 والشيء الوحيد الذي يربطهم بهيئة تحرير الشام هو معارضتهم للديكتاتور المخلوع. لكن من الناحية الأيديولوجية، تختلف هذه الجماعات ذات التوجه العلماني بشكل كبير عن الإسلاميين. وفي الشمال، سيحاول الأكراد فرض أنفسهم ضد الجيش الوطني السوري وتركيا التي تقف خلفه. وهذا الصراع أيضاً ينطوي على احتمالات كبيرة لاندلاع العنف.

دور روسيا وإيران وتركيا

اللاعبون الدوليون في الساحة لهم دور مهم للغاية في تحديد مستقبل سوريا وأبرزهم تركيا التي يرجح أن تكتسب نفوذًا كبيرًا، كما يعتقد جيمس دورسي إنها من المحتمل أن تكون “صانعة الملوك” في سوريا والبناء على حكومة ذات تأثير إسلامي. لكنه يرى أيضاً تحديات تواجه أنقرة وتتمثل في “الصراع المحتمل” مع الأكراد وجهود اللامركزية التي تبذلها هيئة تحرير الشام.

أما الخاسر الأكبر من سقوط النظام هي  إيران، حسب رأيه. بالرغم من أنها حاربت إلى جانب الأسد ضد المتمردين لسنوات وساهمت بشكل كبير في انتصاره. وقد مكّن ذلك طهران من ترسيخ وجودها عسكرياً في سوريا، وكانت فرصة مثالية للنظام في طهران للاقتراب من حدود إسرائيل وفي الوقت نفسه تزويد حزب الله التابع له والموجه أيضاً ضد إسرائيل، بالأسلحة. لكن الأيام الماضية شهدت انسحاب كل من إيران وحزب الله من سوريا.

وتعتبر دول عديدة بأن حزب الله، أو جناحه العسكري، منظمة إرهابية من بينها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ودول أخرى. كما حظرت ألمانيا نشاط الحزب على أراضيها في عام 2020 وصنفته كمنظمة إرهابية.

في هذا السياق يوضح اركوس شنايدر، مدير مشروع السلام والأمن في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من مؤسسة “فريدريش إيبرت” إن سقوط نظام الأسد من المرجح أن تكون له تداعيات على مصداقية إيران داخل ما يعرف بمحور المقاومة برمته.

لهذا السبب يرى شنايدر في هزيمة  طهران بسوريا تكرار سيناريو مماثل لهزيمة السوفييت في أفغانستان. ويمكن أن تبشر أيضا بنهاية النظام الإسلامي في طهران نفسها.

كما تأثرت روسيا، التي تدعم نظام الأسد في الحرب ضد المتمردين منذ عام 2015.

 وفي المقابل، أمّن الكرملين قاعدة بحرية قرب طرطوس وقاعدة حميميم الجوية قرب اللاذقية على ساحل البحر الأبيض المتوسط والتي سيعمل على حمايتها تحت جميع الظروف. “الأمر الذي قد يقود المنطقة إلى مزيد من العنف”، كما يقول شنايدر.

مستقبل علاقات سوريا مع دول الجوار وخاصة “إسرائيل”

تأثير التغيير السوري على الدول المجاورة وتحديدا فلسطين ولبنان وتركيا، وما هذه المخاطر المحتملة، ولا سيما ما يتعلق بالأطماع الإسرائيلية وأوضاع اللاجئين السوريين؟

يقول الكاتب والصحفي الفلسطيني نهاد أبو غوش للجزيرة نت، إن الحدث السوري في جوهره إيجابي لأنه يعبر عن إرادة الشعب السوري في الحرية والكرامة، ويفتح الباب واسعا أمام بناء سوريا الجديدة وإنهاء عقود من القمع والتعسف والحرب الأهلية.

وأكد للجزيرة نت أن مسار الأمور يعتمد بشكل رئيسي على تعاطي قوى المعارضة، وهل لديها مشروع واضح ومتكامل لمستقبل سوريا؟ وهل تحافظ على وحدتها وصياغة عقد اجتماعي جديد يضمن لكل الفئات والمكونات السورية أن تعيش معا ضمن نظام يحفظ حقوق المواطنين؟

وأوضح أن ذلك يكون بصرف النظر عن خلفياتهم الاجتماعية والمذهبية والعرقية، ويستعيد دور سوريا الوطنية في محيطها العربي والإقليمي.

أما عن التحديات والفرص بالنسبة لسوريا بعد التحرر فيقول الكاتب والخبير بالشأن الإسرائيلي سليمان بشارات، إن أبرزها القدرة على إعادة بناء نظام سياسي متكامل متزن يشارك به الجميع وهذا سيكون أكبر وأصعب تحدٍّ وليس من السهل الوصول اليه، لأن هناك محاولات من قوى خارجية مثل إسرائيل وأميركا تعزز مبدأ الطائفية والعرقية، وفق رأيه.

القضية الفلسطينية بالنسبة لسوريا بعد سقوط الأسد

وبالنسبة للقضية الفلسطينية، يرى بشارات في تصريحات للجزيرة نت أنه لا يجب أن نقرأ الأحداث في سوريا بمعزل عما حصل في لبنان، من الاتفاق بين حزب الله وإسرائيل، وضعف حالة الحزب والتراجع الإيراني، وربما حتى الهيمنة الإسرائيلية والأميركية على المنطقة.

ويعتقد الخبير بالشأن الإسرائيلي أن التحدي الأكبر أمام القضية الفلسطينية أنها ستكون وحيدة أمام مواجهة السياسات الإسرائيلية الأميركية، متوقعا أن تكون هناك رؤية ستتوافق فيها أراء الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مع مواقف الصهيونية الدينية في إسرائيل التي يمكن أن تفتح المجال أمام فرض العديد من السياسات الإسرائيلية سواء فيما يتعلق بضم الضفة الغربية وغيرها.

أما الشيء الإيجابي الذي يراه بشارات فهو أن هذه المحطة الصعبة تعمل على إعادة بلورة مفهوم القضية الفلسطينية “لأنها علمتنا ان كل مرحلة ضعف لا تمثل حالة انكسار، ثم تصاغ مرة أخرى للانطلاق.”

الدور التركي

على الجانب التركي، كانت للأحداث المتسارعة في سوريا رد فعل إيجابي من تركيا، حيث قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان -أمس الثلاثاء – إن بلاده لا يمكن أن تسمح بتقسيم سوريا مجددا، وذلك بعد سقوط نظام بشار الأسد.

وأضاف أردوغان في كلمة بالعاصمة أنقرة، خلال الاجتماع الموسع لرؤساء فروع حزب العدالة والتنمية في الولايات التركية، أن أنقرة لن تسمح بتقسيم سوريا مرة أخرى، أو أن توافق على أن تصبح مجددا ساحة صراع. وشدد على أن “كل اعتداء على استقرار الإدارة السورية الجديدة وسلامة أراضي دولتها سيجدنا نحن وشعب سوريا في مواجهته”.

بدوره، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال مؤتمر صحفي على هامش منتدى الدوحة في قطر “أصبحت سوريا بعد التحرر بلدا حرا، وشعبها مليء بالأمل، لا يستطيع السوريون السير بمفردهم الآن، فهم ما زالوا بحاجة إلى الدعم، ويحتاجون للدعم من خلال القنوات الدولية، وتركيا ستقف إلى جانب سوريا لحماية سيادتها”.

وعن هذا يقول بشارات إن تركيا ستكون الرابح الأكبر فيما يتعلق بورقة اللاجئين السوريين، وهي واحدة من الأوراق التي كانت تؤرق النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي في تركيا، لذلك ربما تجد تركيا في هذا التغيير المنفذ الأساسي لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم وبالتالي تتخلص من أكبر التحديات.

وأضاف بشارات أن تركيا تعتبر نفسها الحاضنة للقوى المسلحة التي أحدثت التغيير في سوريا، وأصبح هذا بالفعل حديث الشارع والإعلام التركي الذي اعتبره إنجازا كبيرا للدولة التركية، ما يرفع من أسهم وحظوظ أنقرة في قدرتها على بناء التحالفات الإقليمية والدولية وإنشاء تحالفات جديدة، وفق رأيه.

أطماع إسرائيل في سوريا بعد التحرر

منذ الإعلان عن نجاح فصائل المعارضة السورية في إسقاط نظام الأسد سارع الجيش الإسرائيلي للتوغل البري في القنيطرة، واحتلال قمة جبل الشيخ السوري، والسيطرة على المنطقة العازلة عند خط وقف إطلاق النار بهضبة الجولان، تحت ذرائع أمنية ودفاعية.

ولا تقتصر الأطماع الإسرائيلية في الأراضي السورية على الجولان المحتل ولا المنطقة العازلة، بحسب الكاتب أبو غوش، بل تمتد لتشمل كل مساحة محافظة القنيطرة، وأجزاء واسعة من محافظتي درعا وريف دمشق.

ويرى أبو غوش أنه لم تكن صدفة أن تسارع إسرائيل إلى تدمير أسلحة الجيش السوري ومنشآته، وهي لا تخفي رغبتها في أن تتحول إلى اللاعب الرئيسي لرسم مستقبل سوريا بعد التحرر وتحديده.

ويقول إنها بدأت ذلك من مدخل التعامل المنفرد مع المكونات الطائفية والعرقية وبخاصة الدروز والأكراد، إعمالا لمشروعها القديم الجديد وهو تفتيت الدولة الوطنية وتمزيق الشرق العربي إلى كيانات طائفية وعرقية متصارعة ليس في سوريا فقط، بل كذلك في لبنان والعراق لنصبح أمام كيانات درزية وعلوية وسنية، ومارونية، وكردية، وشيعية.

بدوره، يقول رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل بلال الشوبكي، إن إسرائيل تدرك جيدا، أنّ هناك حالة من عدم اليقين بشأن سوريا المستقبلية، لذلك بدأت بالتحرك العسكري العاجل والإعلامي، لدفع سوريا الجديدة لاتخاذ موقف ما، يتيح لإسرائيل تثبيت واقع يخدم مصالحها في هذه المرحلة.

وأضاف للجزيرة نت أن التحركات العسكرية الإسرائيلية جزء منها أمني مرتبط بتخوفات السيطرة على مقدرات عسكرية تابعة للنظام السابق من قبل جهات جديدة.

النفوذ الأميركي في سوريا بعد التحرر

لا يزال النفوذ الأميركي في المنطقة أحد أكبر التأثيرات على الوضع الإقليمي، رغم تغير شكله وطبيعته مع مرور الوقت، بحسب الباحث السياسي عماد أبو عواد، الذي قال إنه قبل 25-30 عاما، كان هذا النفوذ يعتمد بشكل كبير على السياسة الناعمة، من خلال العلاقات القوية مع العديد من الأنظمة في المنطقة.

وأضاف للجزيرة نت أن وصول ترامب للسلطة، استبدلت هذه السياسة لتصبح أكثر تهديدية باستخدام سياسة “العصا” حيث ركزت أميركا على حماية الأنظمة مقابل الولاء. إلا أن الهيمنة والسيطرة التي كانت تتمتع بها تراجعت -برأيه- لصالح لاعبين دوليين آخرين مثل روسيا والصين، التي أصبحت تقدم نفسها كبدائل في بناء العلاقات.

ودلل أبو عواد على وجهة نظره ببدء ظهور مشاريع إقليمية جديدة مثل المشروع التركي والإيراني، ومبادرات شرق آسيا، التي تمثل تحديا جديدا للنفوذ الأميركي في المنطقة. كما أن التوجه الأميركي نحو تخفيف وجودها العسكري في بعض المناطق انعكس على نفوذها بشكل ملحوظ.

(( تابعنا على الفيسبوك   –  تابعنا على تلغرام   –   تابعنا على انستغرام  –  تابعنا على تويتر ))