هوى الشام| تميزت السنوات الـ16 التي حكمت فيها المستشارة أنغيلا ميركل ألمانيا بالأزمة تلو الأخرى، وبذلت “المرأة الحديدية” جهودا جبارة في مواجهة هذه الأزمات التي بدأت معها من يومها الأول في منصب المستشارية.
واستعرضت مجلة “ديرشبيغل” الألمانية إثر ميركل التي ستغادر الحكم في ألمانيا وتتقاعد من السياسية بعد أيام، وتقول المجلة إن حقبة ميركل تميز بالأزمات والتهديدات غير المرئية خاصة في المرحلة الأولى.
وكانت ميركل في بداية حياتها المهنية عالمة في مجال الفيزياء الذي حصلت فيه على درجة الدكتوراه، ووصفتها المجلة بالمرأة “الذكية للغاية” و”المشبعة بالعقلانية”، ولم تكن التهديدات تخفيها.
وحمل عام 1990 مفارقة تاريخية، فميركل القادمة من ألمانيا الشرقية ستتولى مناصب سياسية متعددة في ألمانيا الجديدة ذات الصبغة الغربية، وفيما بعد كانت قائدة بارزة تدافع عن قيم الغرب.
ولم تكن سنوات حكم ميركل (2005- 2021) سهلة، فقد تعرضت ألمانيا لأزمات لا مثيل لها منذ الحرب العالمية الثانية، وهذه أبرزها:
الأزمة المالية العالمية: امتدت الأزمة المالية العالمية من الولايات المتحدة سريعا إلى أوروبا وفي القلب منها ألمانيا، حيث انهارت الأسعار، وصارت البنوك الألمانية تتحدث عن مشكلات صعبة.
وكانت ردة فعل ميركل سريعة، إذ غذت عقلها بالمعلومات والتحليلات وقضت ساعات طويلة مع الخبراء وفي القراءة.
وتولت المستشارة الألمانية إجراء مفاوضات شاقة مع بنك “دويتشه بنك”، حتى توصلت إلى صفقة بشأن تحمل مخاطر التخلف عن سداد القروض المتصلة بواحدة من أكبر الشركات العقارية في البلاد.
ولم يقف عملها هنا إذ ظهرت أمام الكاميرات، وأكدت لمواطنيها أن ودائعهم آمنة بعد صار كثيرون يدخرون أموالهم في المنازل.
وفي نهاية المطاف، أدارت ميركل الأزمة بمهارة وقلصت من أضرار الأزمة المالية العالمية على ألمانيا بدليل أن معدل البطالة لم يتأثر كثيرا.
أزمة اليورو: منذ توليها الحكم، كان لدى ميركل هدف استراتيجي في إطار الاتحاد الأوروبي، وهو تقوية القارة القديمة، ووضعها على قدم المنافسة مع الصين والولايات المتحدة، باعتبارها القوة الثالثة في العالم، وفي خضم ذلك أرادت حجز مكانة لبرلين في السياسة العالمية.
وبنت استراتيجية تقوم على الاقتصاد الذي سيؤدي حتما إلى بناء قوة ساسية، وهذا ربما يفسر تمسكها ببقاء اليونان في الكتلة الأوروبية وتقديم الدعم لها، لكن الأمر لم يكن سهلا عليها، إذ تضاربت المصالح كثيرا.
ففي داخل ألمانيا، تصاعدت الاتهامات نحو ميركل بأنها تتجاهل مصالح البلاد، وفي المقابل، اتهمت دول جنوب أوروبا وخاصة اليونان ميركل بعدم إظهار التضامن الكافي معها.
واستطاعت ميركل الوصول إلى صيغة سياسية حاولت التوفيق بين احتياجات الدول المدينة والألمان.
وكان أحد الأسئلة الرئيسية في أوروبا، أثناء حكم ميركل، هو هل سينهار الاتحاد أم لا؟ ونجحت ميركل في الإبقاء على الاتحاد الأوروبي، رغم أنه تعرض لأزمات أضعفته مثل خروج بريطانيا وبروز الفكرة الشعبوية.
بوتن: كان الخطر الثابت في حكم ميركل يتجسد في شخص واحد اسمه فلاديمير بوتن، رئيس روسيا. تجيد ميركل اللغة الروسية وهي قادمة من الكتلة الشرقية، لذلك بدت العلاقة مع بوتن أهم دور لعبته ميركل في السياسة الدولية.
وكانت ممثلة الغرب في التفاوض مع بوتن، وعملت جاهدة على وضعه في مكانه والإصرار على التمسك بالقيم الغربية.
وعندما تستحضر ميركل اسم بوتن، يتبادر إلى ذهنها الحروب وانتهاكات القانون الدولي، وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان يمثل إزعاجا لميركل، لكنه لم يكن يوما قويا مثل بوتن.
وكانت ميركل تتصل مرارا ببوتن، تحذر وتنتقد وترجو أحيانا، وأجرت مفاوضات شاقة مع الرئيس الروسي بشأن وقف إطلاق النار في أوكرانيا.
والصورة الشهيرة التي جمعت الاثنين لها قصة، إذ أحضر بوتن كلبه الأسود أثناء لقائهما، رغم أنها لم تكن حريصة على رؤيته، في مشهد يلخص العلاقة بين الاثنين.
أزمة اللاجئين: كانت أزمة اللاجئين التي اندلعت عام 2015 نقطة تحول في حكم ميركل، فقد كانت أسهمها مرتفعة للغاية قبل بداية هذه الأزمة.
قررت ميركل في 4 سبتمبر 2015 فتح الحدود أمام اللاجئين الذين تقطع بهم السبل على أبواب ألمانيا،
ولم يكن ذلك القرار عقلانيا فحسب بل كان عاطفيا أيضا، مبعثه كرهها الشديد للجدار وخلفيتها المسيحية، خاصة أن والدها كان قسا.
وكسبت ميركل في تلك المرحلة احترام العالم لدفاعها عن القيم الديمقراطية الغربية، واختارتها مجلة “التايم” الأميركية شخصية العام.
وإزاء الانتقادات المتزايدة وتداعي شعبيتها، بدأت ميركل في اتخاذ سياسات أكثر تشددا، تجلى في جدار افتراضي بنته من خلال اتفاق مع تركيا عام 2016.
ويؤخذ على ميركل أنها لم تتبع استراتيجية محددة مع الأزمة، فقد كانت الأرقام تتزايد عام 2014،
وكان من الواضح أن الأرقام سترتفع، ولم تفعل ما يكفي للاستعداد لذلك.
ترامب: لم يكن بوتن هو المزعج الوحيد لميركل، فقد كان هناك أيضا الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الخارج عن أعراف المؤسسة السياسية الأميركية.
وشابت العلاقة بين ترامب وميركل توتر خاصة على صعيد اتهامات الأول لألمانيا بعدم تسديد حصص مناسبة في ميزانية حلف شمال الأطلسي.
وترامب معروف بشخصيته المزاجية والمتقلبة، وبسبب شعبويته وازدرائه للقيم الديمقراطية، أصبحت ميركل بمثابة زعيمة الغرب الليبرالي، لكن بدا أن هذا الدور أكبر من أن تتحمله ميركل.
وكان ترامب عنوان لصعود الشعبوية التي اجتاحت الغرب، ومنه ألمانيا بالطبع، فدخلت ميركل في صراع مع هؤلاء.
التغير المناخي: تولت ميركل منذ وقت مبكر دورا رياديا في مواجهة التغير المناخي، وقادت حملة في أوروبا لخفض الانبعاثات، وأقنعت الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش الابن بوضع المناخ على سلم أولولياته.
ولم ذلك، لم تكن سياسات ميركل في مجال مواجهة التغير المناخي صارمة بما يكفي، وفي الأشهر الأخيرة كان عليها أن ترى بعينيها كيفية تأثير التغير المناخي على بلادها إذ شهدت ألمانيا سلسلة من الكوارث الطبيعية التي نسبت إلى التغير المناخي.
الجائحة: في العامين الأخيرين من حكمها، واجهت ميركل سابع الأزمات وبدت فريدة من نوعها،فلم تشهد ألمانيا جائحة منذ عقود طويلة. استغرقت ميركل بعد الوقت حتى تتبين طريقها للتعامل مع الأزمة، وكانت سياستها تقوم في البداية على حماية الأرواح حتى لو كان ذلك على حساب الحريات، وهو ما أغضب البعض، خاصة القوى اليمينية.
وتميزت ميركل في هذه المرحلة بأنها صارت تتواصل مع الألمان أكثر من أي وقت مضى، وبلغة تخلو من البيروقراطية المملة.
وقالت مجلة “ديرشبيغل” إن ميركل ظهرت ضعيفة في البداية الأزمة، وخاصة أنها كانت بالكاد قادرة على إقناع حكام الولايات باتباع نهجها، ووصلت إلى مرحلة صعبة حددت فيها بالاستقالة، مع مرور الوقت تحسن أداؤها كثيرا في مواجهة الجائحة.
المصدر:سكاي نيوز
(( تابعنا على الفيسبوك – تابعنا على تلغرام – تابعنا على انستغرام – تابعنا على تويتر ))