هوى الشام
هو ذا وجه من وجوه سيدات بلادي وجه تتمرأى فيه الأجيال، وتغتبط، لعل تركيبتنا الشرقية، صعب عليها أن ترى سيدة ترتقي إلى مناصب عليا، بدءاً من مجلس الشعب، وصولاً إلى منصب رفيع كمستشارة أدبية للسيد الرئيس.
والحقيقة أن إعطاءها هذا المنصب ليس أكثر من تكريم لهذا الوجه الذي تتمرأى فيه الأجيال، ويخطو الإبداع أمامه، ويتدفق من أنامله.
ولعل تركيبتنا الشرقية أيضاً، تأنف أكثر أن ترى هذه السيدة تحمل قلمها تارة موسيقى تنبعث من أعماق أنثى بلادي، وتارة أخرى تشهره سلاحاً في وجه عتاة التاريخ والمجتمع، وإذا ما أمسكت المرأة سلاحاً، وانتصبت، فماذا بوسع الرجل أن يفعل حينئذ؟! أفلعله يخجل من نفسه، ومن تقاعسه عن مواجهة العتاة؟ أم يغضب أن المرأة أصبح لها كيان، وأصبحت نداً له. ولكننا نسمعها تقول لا أريد ولا أفكر أن أكون نداً للرجل، بل صديقة وزوجةً وأماً وأختاً!!
نعم، مرت السنون والسنون، وهذه المرأة تحمل مشعلاً صامتاًَ، ورسالة صامتة تريد أن تبلغها لأجيال هذا الوطن. فهل لأحدنا أذان للسماع، وعيون للنظر؟
طفولتها وتعليمها
وُلِدَت كوليت خوري عام 1937 في بيت من بيوت دمشق، في باب توما، والدها سهيل فارس الخوري، أما والدتها فهي ليلى حبيب كحالة، وهي أسرة وطنية مشهورة في مجالات السياسة والأدب والصحافة.
تذكر نعمة خالد في كتيبها عن كوليت خوري: «حظيت كوليت خوري باسمين: الأول كوليت، الذي اختاره أبوها عند ولادتها، تيمناً بالكاتبة الفرنسية كوليت، التي كانت تعيش مجدها كأديبة، حيث كان الوالد سهيل، يتابع ما تكتب، وما يُكتَب عنها. والاسم الثاني: هو خولة، وقد أطلقه عليها الجد فارس الخوري، الذي رتّب رغبة ابنه سهيل عوضاً عن رفضه اختيار اسم كوليت، وبسبب إيمانه الذي لا يُحدّ بالعروبة، وجد مخرجاً لابنه بقوله: كوليت بالفرنسية هو خولة بالعربية، وخولة اسم جميل، فهو الظبية، ثم إن خولة هي فارسة العرب، سيكون عندنا فارسة جديدة».
أما دراستها فكانت عند راهبات البيزانسون، حيث تعلمت القراءة في إنجيل متى، ثم تمكنت من اللغة العربية عبر قراءة القرآن والشعر العربي القديم، وقد تتلمذت على يد جدها العلاّمة فارس الخوري.
تابعت دراستها في مدرسة اللاييك، ثم انتقلت كوليت وأهلها من باب توما، الحي الدمشقي القديم، إلى حي من أحياء دمشق الجديدة.
أما دراستها الجامعية فكان أولها في الجامعة اليسوعية في بيروت، حيث بدأت بدراسة الحقوق، لكن زواجها في تلك الفترة جعلها تترك الجامعة وتعود أدراجها. وفيما بعد أنجزت دراستها في جامعة دمشق، حيث درست الآداب الفرنسية.
لم تكن كوليت تميل في طفولتها إلى الأدب، وإن كان الإبداع عموماً ميدانها الأثير منذ السنوات الأولى في حياتها، فميلها المبكر كان «إلى الموسيقى والغناء والرياضيات والكيمياء، لكن البيئة والظروف (حسب قولها)، لم تسمح لها بأن تحقق طموحاتها في التعبير عما تفيض به نفسها، وفي الاحتجاج والصراخ، وبما أنها كانت لا تحب الصراخ بحنجرتها، فقد صرخت بأصابعها، فأصبحت أديبة».
بدايات تجربتها مع الكتابة
تسألها نعمة خالد: «متى بدأت الكتابة؟»، تجيبها كوليت: «لا أذكر لحظة من حياتي لم أكتب فيها. أذكر بأني، وأنا في السابعة أو الثامنة، كنت أكتب الرسائل لأبي أشكو فيها همومي وأحزاني الصغيرة، وكنت أخفيها تحت وسادته ليقرأها قبل أن ينام. في الصباح أستيقظ متلهفة لأجد تحت وسادتي رداً دافئاً فيه عاطفة كبيرة، ترافقه أحياناً حبة شوكولا صغيرة».
وتضيف قائلة: «لم تكن الكتابة هوايتي، بل كانت جزءاً من طريقتي في التعبير، لكأنها وُلِدَت معي، ونمت وترعرعت، ربما جو البيت هو المساعد الأول، حيث الكتب والصحف والمجلات هي أهم مفروشات بيتنا وبيت جدي لأبي، وبيت خالي».
كوليت خوري في صباها
في السادسة عشرة من عمرها، ظهر نتاجها في الصحف والمجلات، وفي عامها العشرين أصدرت أول كتاب لها، وهو ديوان شعر بالفرنسية بعنوان: «عشرون عاماً».
زواجها
في الثامنة عشرة من عمرها تزوجت من الكونت الإسباني رودريكو دوزياس، وحصل الزواج في فرنسا. وكانت ابنتها نارة تتويجاً لهذا الزواج. توضّح كوليت: «لم يكن زواجي من الكونت بدافع الحب فقط، بل أيضاً لأني كنت دائماً أبحث عن شخص يستطيع أن يشبه أبي وسامة وحضوراً».
إبداعها
تجوّلت كوليت خوري، ما بين الشعر والرواية والقصة القصيرة والمقالة والمسرح، والدراسة التاريخية، ولها أكثر من ثلاثين مؤلفاً في الأدب والتاريخ، كما عملت لفترات متقطعة في الصحافة، فقد كان خالها حبيب كحالة صاحب مجلة “المضحك المبكي” المشهورة.
عملها
عملت كوليت في التدريس كأستاذة محاضرة في قسم اللغة الفرنسية في كلية الآداب في جامعة دمشق، وتعاقدت لسنوات طويلة مع الجيش كمستشارة إعلامية ولغوية للسيد العماد أول مصطفى طلاس وزير الدفاع سابقاً.
وفي عام 1990 رشّحت نفسها لمجلس الشعب، وفازت على مدى دورتين متتاليتين، قدمت خلالهما خدمات كثيرة للشارع السوري، على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، وقد انعكس هذا الاهتمام في مقالاتها التي نُشِرَت في زواياها في صحيفتي «البعث» و«تشرين» وفي منابر أخرى. ومع موعد انتخابات المجلس التشريعي التي تلت، آثرت كوليت الانسحاب لتتفرغ لأعمالها الأدبية.
وفي عام 2006 اختارها السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد لتكون مستشارة أدبية له.
أعمالها
1) عشرون عاماً (1957)، شعر بالفرنسية.
2) أيام معه (1959)، رواية صدر منها سبع طبعات حتى عام 2001.
3) رعشة (1960)، شعر بالفرنسية.
4) ليلة واحدة (1961)، رواية صدر منها أربع طبعات حتى عام 2002.
5) أنا والمدى (1962)، تسع قصص صدر منها طبعتان فقط حتى عام 1993.
6) كيان (1968)، قصة صدر منها أربع طبعات حتى عام 2003.
7) دمشق بيتي الكبير (1969)، قصة.
8) المرحلة المرة (1969)، قصة وأعيد طبعها مع قصتين في عام 2002.
9) الكلمة الأنثى (1971)، تسع قصص أعيد طبعها في عام 2001.
10) قصتان (1972)، قصتان ظهرتا ثانية مع المرحلة المرة في عام 2002.
11) ومر صيف (1975).