هوى الشام| توفي الأمير فيليب زوج الملكة إليزابيث الثانية ودوق إدنبرة عن عمر يناهز 100 عام، قضى منها نحو 74 عاما بجوار صاحبة الجلالة، وخلف ورائه إرثا استثنائيا لشخص غير عادي، على الأقل بالنسبة للبريطانيين.
عُرف عن الأمير الراحل أنه رجل مليح اللسان سريع الانفعال، وكان فكاهيا وله ملاحظات سياسية غير دقيقة، وأيضا خالا غريب الأطوار دائم القرب ويشعر معظم الناس تجاهه بالعاطفة، لكنه كثيرا ما يحرج نفسه والآخرين، بحسب تقرير لموقع “بي بي سي”.
يقول التقرير إن الأمير فيليب الذي ولد عام 1921، كان رجلا غير عادي عاش حياة غير عادية؛ حياة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالتغيرات الكاسحة للقرن العشرين المضطرب، حياة من التناقض المذهل بين الخدمة ودرجة من العزلة. إنه رجل معقد لكن ذكي ولا يهدأ أبدا.
النشأة: بداية من الألم
التقى والده ووالدته في جنازة الملكة فيكتوريا عام 1901، وفي ذلك الوقت كانت جميع دول أوروبا – باستثناء أربع دول – ملكية، وكان أقاربه ينتشرون بين العائلات الملكية في أوروبا.
دمرت الحرب العالمية الأولى بعض البيوت الملكية، لكن العالم الذي ولد فيه فيليب كان لا يزال عالما تعتبر فيه الملكيات هي القاعدة، حيث كان جده ملك اليونان، فيما قُتلت عمته إيلا مع القيصر الروسي، على يد البلاشفة، في إيكاترينبرغ؛ وكانت والدته حفيدة الملكة فيكتوريا.
شقيقاته الأربع الأكبر سنا تزوجن جميعا من الألمان، فيما قاتل فيليب من أجل بريطانيا في البحرية الملكية، ودعمت 3 من شقيقاته بنشاط القضية النازية؛ لم يدعو أيا منهن لحضور حفل زفافه.
قضى فيليب جزءا في عقده الأول حائرا، حيث نبذ من محل ميلاده وتفككت عائلته وتنقل من بلد إلى آخر ولم يكن له شيئا في أي منهم، وعندما كان يبلغ من العمر عاما واحدا فقط، اقتادته مدمرة بريطانية هو وعائلته من منزله في جزيرة كورفو اليونانية بعد أن حكم على والده بالإعدام.
ونقل إلى إيطاليا، ثم قضى فيليب واحدة من أولى رحلاته الدولية وهو يزحف على أرضية القطار من مدينة ساحلية إيطالية، أو كما وصفته أخته صوفيا لاحقا بـ”الطفل القذر في القطار المهجور”.
في باريس، عاش في منزل مملوك لأحد أقاربه لكنه لم يستقر كثيرا هناك، ثم دخل مدرسة داخلية في بريطانيا، وتدهورت الصحة العقلية لوالدته، الأميرة أليس، وطلبت اللجوء؛ وذهب والده الأمير أندرو إلى مونت كارلو ليعيش مع عشيقته.
تزوجت شقيقاته الأربع وذهبت للعيش في ألمانيا. في غضون 10 سنوات، انتقل من أمير اليونان إلى فتى متجول، بلا مأوى، ومفلس تقريبا وليس لديه من يعتني به.
الاستقلال وبناء الشخصية
بحلول الوقت الذي ذهب فيه إلى جوردونستون، وهي مدرسة خاصة على الساحل الشمالي لاسكتلندا، كان فيليب قويا ومستقلا وقادرا على إعالة نفسه؛ لأنه ببساطة كان عليه أن يكون كذلك.
ساعدته جوردونستون في توجيه تلك السمات إلى فلسفة لخدمة المجتمع والعمل الجماعي والمسؤولية واحترام الفرد. وأثارت واحدة من أعظم المشاعر في حياة فيليب – حبه للبحر.
عشق فيليب المدرسة بقدر احتقار ابنه تشارلز لها، ليس فقط بسبب الضغط الذي فرضته للتفوق البدني والعقلي، حيث جعلت منه رياضيا رائعا، ولكن بسبب روحها التي وضعها مؤسسها كورت هان، المنفي من ألمانيا النازية.
كانت أهمية الفرد هي ما ميز في نظر كورت هان بين الديمقراطيات الليبرالية والبريطانية وبين ذلك النوع من الديكتاتورية الشمولية التي هرب منها. وضع فيليب مركزية الفرد والفاعلية الفردية – القدرة التي نمتلكها كبشر لاتخاذ قراراتنا الأخلاقية – في صميم فلسفته.
الشباب ومطاردة الشغف
في حين أنه تعلم الإبحار في جوردونستون، ففي كلية دارتموث البحرية عام 1939، بدأ يتعلم القيادة الحقيقية، وانتفضت رغبته الدافعة في الإنجاز والفوز. ورغم دخوله الكلية في وقت متأخر جدا عن معظم الطلاب العسكريين الآخرين، تخرج على رأس دفعته في عام 1940.
وفي تدريب إضافي في بورتسموث، حصل على الدرجة الأولى في أربعة أقسام من أصل خمسة في الامتحانات، ليصبح من أصغر الملازمين في البحرية الملكية.
سلاح البحرية كان له جذورا عميقة في عائلته، حيث كان جده لأمه رئيس أركان البحرية الملكية، وكان عمه “ديكي” مونتباتن يقود مدمرة فيما كان فيليب يتدرب.
في الحرب، أظهر ليس فقط شجاعة ولكن مكر. كتب مدير مدرسة جوردونستون كورت هان بإعجاب أن “الأمير فيليب” سوف يترك بصمته في أي مهنة حيث سيتعين عليه إثبات نفسه في تجربة قوة.
لقاء الحب
عندما قام الملك جورج السادس بجولة في الكلية البحرية برفقة عم فيليب، أحضر معه ابنته الأميرة إليزابيث، وطُلب من فيليب الاعتناء بها، حيث استعرض لها ملعب التنس في أرض الكلية.
كان فيليب واثقا ووسيما بشكل لافت للنظر، وعلاوة على ذلك، فهو من الدم الملكي حتى وإن كان بلا عرش، فيما كانت ابنة جورج جميلة ومنغلقة قليلا وجادة بعض الشيء، لكنها في النهاية كانت مغرمة جدا بفيليب.
تزوج الثنائي في عام 1947، وقضيا عامين شاعريين في مالطا، حيث كان لدى فيليب حبيبته إليزابيث وسفينة يقودها، لكن المرض ثم الوفاة المبكرة للملك جورج السادس أنهى كل ذلك.
التحول الكبير
كان يعرف فيليب ما يعنيه وفاة الملكة لحظة إخباره بالأمر. في نزل في كينيا، حيث كان يقوم بجولة في أفريقيا مع الأميرة إليزابيث، أخبر فيليب أولا بوفاة الملك. وقال فارسه مايك باركر: “بدا كما لو أن طنا من الحجارة قد سقط عليه”.
جلس لبعض الوقت على كرسي وغطى بالجريدة رأسه وصدره، إنه يعلم أن أميرته أصبحت الملكة. لقد تغير عالمه بشكل لا رجعة فيه.
كشفت تلك اللحظة، عندما أصبحت الأميرة ملكة، عن تناقض كبير آخر في حياة فيليب، فبعدما وُلد ونشأ في عالم يديره الرجال بالكامل تقريبا أصبحت حياته بين عشية وضحاها، ولعقود تالية، مكرسة لدعم زوجته الملكة.
كان يمشي خلفها، واضطر للتخلي عن وظيفته، وكان يعتذر إذا دخل غرفة بعدها، وفي تتويجها ركع أمامها ويداه محاطتان بيديها وأقسم أن يكون “رجل الحياة” وأن يضحي بأي شيء من أجلها، وكان عليه أن يقبل بألا يحمل أطفاله اسمه مونتباتن.
تحدث الأمير فيليب قليلا عن هذا التحول، وقال ذات مرة عن الفترة التي سبقت تولي الملكة: “داخل المنزل، أعتقد أنني شغلت المنصب الرئيسي بشكل طبيعي، كان الناس يأتون ويسألونني ماذا يفعلون، في عام 1952، تغير كل شيء بشكل كبير للغاية”.
لقطات مثيرة
في حين كانت حياته مليئة بالعطاء والخدمة العامة، والأهم، الدعم لملكة بريطانيا، وكذلك ندرة الظهور العلني، فإنها لم تخلو من المواقف المثيرة.
في العام الماضي، سلم الأمير فيليب منصبه كقائد شرفي لكتيبة البنادق، إلى زوجة نجله تشارلز، كاميلا، بعد 67 عاما من خدمته.
في عمر 97 عاما، ونجا الأمير من حادث دون إصابات عندما انقلبت السيارة التي يقودها من طراز “لاند روفر” بعد اصطدامها بسيارة أخرى قرب ضيعة ساندرينغهام في نورفوك بشرق بريطانيا. ما دفعه للاعتذار لقائدة المركبة الثانية والتي أصيبت بكسور، وتنازل عن رخصته.
قبل عامين، أشارت تقارير إعلامية، إلى أن زوج ملكة بريطانيا الراحل، كان مهوسا برحلة “أبولو 11” إلى القمر، حيث كان نيل أرمسترونغ ومايكل كولينز أول من يسير على سطح القمر.
وادعت التقارير أن رائدا الفضاء زارا قصر باكينغهام فور عودتهما وأن الأمير فيليب “أصر على لقاء الأبطال”، لكنه سرعان ما شعر بخيبة أمل لاكتشافه أنهما “مجرد مهندسين موهوبين”، وليسا شخصيتين مجيدتين كما تخيلهما.
المصدر :سبوتنيك
(( تابعنا على الفيسبوك – تابعنا على تلغرام – تابعنا على انستغرام – تابعنا على تويتر ))