هوى الشام
عانى السوريون من الحرب الدائرة في وطنهم ما لم يُعانه شعب من الشعوب، فبالإضافة إلى الدمار والقتل والفظائع التي حلّت بهم، وانخراط 86 دولة عسكرياً على أرضهم، تشرّدوا في بقاع الأرض ونزحوا داخلياً وإلى دول الجوار وأوروبا، وقضى منهم مَن قضى في البحر المتوسّط غرقاً أو إغراقاً.
وكأن كل ما حصل لم يكفِ، فتظهر اليوم على السطح وبعد مؤتمر بروكسل 2، قضية استغلال المأساة السورية سياسياً، وهي ككل القضايا المُشابهة حيث تتداخل قضايا النزوح والتهجير الإنسانية بشكل عام مع القضايا السياسية في أية قضية تهجير سكاني ونزوح قسري بسبب الحروب، سواء كان التهجير داخلياً أو إلى خارج البلد المعني.
كان مؤتمر بروكسل 2 حول النازحين السوريين الذي دعت إليه الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي علامة فارقة في ملف النزوح السوري سواء الداخلي (داخل سوريا) أو خارجها، وحين نقول علامة فارقة فإننا لا نشير الى النتائج التي انبثق عنها وهي بمجملها اقرار مساعدات مادية بدون حلول جدية؛ بل إلى الملاحظات التي وُجّهت إليه، والتساؤلات والهواجس المشروعة التي طرحها هذا المؤتمر وما تلاه من بيان مشترك أصدرته الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولعلّ أبرزها ما يلي:
أولاً : إن عدم دعوة الدولة السورية إلى المؤتمر، يُشير إلى حدٍ بعيد إلى أن الجهات الداعِمة ليست جدّية في إنتاج حلول لوضع اللاجئين السوريين سواء في الداخل السوري أو خارجه. من المعروف والطبيعي أن تقوم الجهات المانِحة بالتنسيق مع الدولة السورية لتأمين وصول المساعدات إلى السوريين المُهجرّين داخلياً، خاصة أولئك الذي يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها الدولة السورية، ويُقدّر عددهم بالملايين.
إن التذرّع بالأسباب السياسية لعدم دعوة الحكومة السورية للتنسيق معها في ما يخصّ المساعدات، يدفع إلى الشكّ بنوايا الجهات المانِحة خاصة وأن حاجة الأمم المتحدة لضمان وصول المساعدات إلى المحتاجين لها، حتّم عليها في وقتٍ سابق التعامُل مع قوى الأمر الواقع في الجنوب السوري المُسيطر عليه من قِبَل المسلحين، وتكليفهم بإيصال المساعدات إلى النازحين السوريين تحت سيطرتهم.
عِلماً أن التقارير الدولية ومنها تقرير دولي في شباط الماضي بعنوان “أصوات من سوريا 2018” أكدّ أن استغلالاً جنسياً للنساء السوريات حصل بشكلٍ واسعٍ في الجنوب السوري ، حيث كانت تتم مقايضة المساعدات بالخدمات الجنسية.
ورغم التحذيرات من سوء المعاملة التي أطلقتها المنظمات العامِلة في مجال الإغاثة منذ نحو 3 سنوات، فقد أشار عدد من العمال الإنسانيين إلى أن بعض الوكالات الإنسانية تغضّ النظر عن الاستغلال ، لاعتقادها بأن استخدام أطراف ثالثة ومسؤولين محليين يبقى الطريقة الوحيدة لإيصال المساعدات.
ثانياً: إن البيان المُشترك الصادر عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي عقب مؤتمر بروكسل، والذي أثار حفيظة اللبنانيين، وبالرغم من التوضيحات الأوروبية والأممية التي صدرت في ما بعد، يشير بما لا يقبل الشكّ أن هناك أهدافاً سياسية وانتخابية وراء إبقاء النازحين السوريين خارج سوريا ، ورفض المفوضية العليا للاجئين لخيار النازحين السوريين بالعودة الطوعية، وهو ما تجلّى في البيان الذي أصدرته بعد مغادرة 499 شخصاً من قرية شبعا اللبنانية إلى بيت جن السورية.
لا شكّ إن تجربة اقتراع اللبنانيين في الخارج، والتي كشفت عن تراجُع من قِبَل اللبنانيين الداعمين لحزب الله عن التصويت في العديد من دول الانتشار، وذلك خوفاً من تضييق قد يشهدونه في بعض الدول الغربية، أو طردٍ من الدول الخليجية، قد يُعطينا فكرة عما ينتظر السوريين الناخبين في الخارج الذين يودّون الاقتراع لصالح الرئيس السوري بشّار الأسد في الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2021، فيما لو بقيوا خارج البلاد إلى تلك الفترة.
وهذا يعني أن الدول الغربية تريد إبقاء النازحين السوريين خارج سوريا، وستحاول منع عودتهم قبل الانتخابات الرئاسية السورية القادمة للتأثير على نتائجها، وهو ما تمّت الإشارة إليه ( في البيان المشترك) برفض عودة اللاجئين قبل الحل السياسي الشامل.
انطلاقاً مما سبق، يبدو أمام كل من لبنان وسوريا والأردن تحديات كبرى ، تتجلّى في منع القدرات السورية البشرية من المساهمة في إعادة إعمار بلادها، ومنع الحياة الطبيعية من أن تعود إلى المدن والقرى السورية التي انتهت فيها الحرب، بالإضافة إلى محاولة فرض تغيير ديمغرافي في كلٍ من البلدان الثلاثة، ما يُعزّز من إمكانيات الفوضى وعدم الاستقرار.
من هنا، باتت مسألة عودة النازحين السوريين مسألة أمن قومي سوري لبناني أردني مشترك، يجب على الدول الثلاث التعاون لحلّ هذه المسألة الإنسانية تحقيقاً لكرامة النازحين، وعودتهم الكريمة إلى أرضهم، وقطعاً لأية إمكانية لاستغلال هذا الموضوع الإنساني سياسياً وانتخابياً في المستقبل.