خاص هوى الشام من مرام القباقلي| ما بين الجدران العتيقة وخشب النوافذ القديمة وما بين النارنج الدمشقي والكباد والياسمين المعرّش على دالية الدار تفتحت عينا صبي اسمه محمد عامر المارديني على أولى أحرف الإبداع.
لم يكن يعلم ذلك الصبي المولع بالأدب والرواية أن الأقدار ستأخذه إلى عالم الكيمياء والصيدلة لكن الجذور الأدبية وروايات نجيب محفوظ ومحمد عبد الحليم عبد الله بقيت في مخيلته فقد نشأ في أسرة مهتمة بالأدب والفنون.
يقول محمد عامر المارديني طفولتي بدأت من عائلة كبيرة ومن حارات دمشقية قديمة عائلتي مكونة من ست بنات وثلاثة شباب ووالدي ووالدتي، والدتي من عائلة دمشقية مهمة من بيت العمري، بيت جدي بيت عربي فيه بحره.
كنت أعيش في بيت (فرنجي) كما يقولون بمنطقة عين الكرش أما أصولنا فهي من منطقة ساروجة سنجقدار، وكنا نذهب إلى بيت جدي أهل والدتي في القيمرية وهو بيت عربي من 20 غرفة يضم الليوان والقاعة وبحرة ويفترض في العطلة الصيفية وأيام العطل أن نجتمع مع خالي وأولاده الذين يعيشون في ذلك البيت ونذهب منذ الصباح الباكر أيام العطل نفطر الفول والفتة ونلعب الطاولة والشطرنج ونمضي النهار مع بعضنا .. بينما أهل أبي كانوا معروفين في اعتنائهم بالثقافة وهناك سينما غازي هي لأهل أبي، والدي قال لي كانت نور الهدى تغني على مسرح سينما غازي وفيها قهوة الكمال، وكانت السينما مسرحا إضافة للأفلام.
كنت مدللا لدى الوالدة (أخوتي يقولون الأسمر المدلل لدى والدتي) تناديني عمورة وسنحت الفرصة لي أن أكون موجودا معها في آخر أيام حياتها قبل وفاتها، لأن إخوتي يعيشون في بلاد المهجر، فقد أخذت من حنية أمي كثيرا وأثرت بي كثيرا وحاولت أن تأمن لي حياة آمنة وهانئة.
ذهبت للشق العلمي في الدراسة، يتابع محمد عامر المارديني، بسبب اهتمامي الكبير بالكيمياء ما دفعني لدراسة الصيدلة التي كانت حلمي منذ الصغر.
هناك أماكن وذكريات عالقة في ذاكرتي مذ كنت طفلا، سقيفة المنزل التي فرشناها أنا وأخي الكبير وأختي التي تصغرني، وأنشأنا مجموعة صغيرة وحولنا السقيفة إلى مكتبة ننعزل فيها عن البقية من الأخوة، ونقرأ كثيرا ونتعلم ، وأخي الكبير يعلمنا اللغة الإنكليزية لأننا كنا صغارا لم نتعلم اللغة بعد، أما في الروايات كان يقول لا تقرأ الرواية كلها بل خذ منها الجمل الجميلة وحاول حفظها مثل رواية نجيب محفوظ اللص والكلاب.
إضافة للذكريات والأماكن هناك كلمات عالقة في ذهني من والدتي، حيث كانت تقول لي الله يحن عليك أو الله يرضى عليك عندما تطلب من أن أعطيها أي شيء، أما الوالد فكان معلما كان العلم له ذا أهمية كبرى وبشكل ممنهج في العائلة، وأخي كان متفوقا حيث درس الطب وكان قدوة لنا نحترمه، ونخاف منه رغم لطفه وطيب قلبه لأنه استلم الريادة عن والدي ووالدتي اللذين كانا كتلة من الحنية حيث كان يدعوننا للدراسة أنا وإخوتي ،فهو يضبط الإيقاع في المنزل الكل يحترمه ويقدره.
أما حارة عين كرش فأذكرها بشوق كبير وكأني أراها الآن، أنا لا أنسى شيئا أبدا، والكثير من قصصي كتبتها تصف بالضبط الحارة والبيت وذهابي للمدرسة ولبيت جدي وكأني لدي كاميرا وأنا أصور ، حيث أذهب أنا وعدنان ومنذر نأكل فولاً نابتا ونحن نسمع مرحبا يا صباح ونسمع أغاني فيروز على أثير إذاعة دمشق.
وعن مهمته وزيرا للتربية يقول محمد عامر المارديني من الهواجس التي تشغلني حاليا هو ما الذي يمكن أن أفعله لتخطيط مستقبل التربية، وذلك بعد مجيئي من قطاع التعليم العالي إلى وزارة التربية ، ولا يكفي أن يكون الوزير صاحب قرار في تخطيط مستقبل التربية سواء على المستوى القريب أو المتوسط أو البعيد، وانطلاقا من ذلك أسست مجلسا تربويا أعلى يضم قامات مهمة جدا موجودة على الساحة تجلس مع بعضها وتخطط لمستقبل التربية، وأنا أترأس هذا المجلس صحيح، ولكن أتنور بآراء الآخرين بالتالي القرار يكون للمجلس، والوزير ينفد قرار المجلس.
ويضيف: وضعنا خططا موجودة مثل منهاج فئة /ب/ وهناك تعاون مع وزارة الثقافة في موضوع /الأميين/، حيث نعمل مع المنظمات و الجمعيات ضمن خطط مدروسة، ونقوم باستقطاب كل التلاميذ الذين خرجوا من سلك التعليم ونعيدهم للمدارس، وهناك معاناة كبيرة نتيجة الحصار والحرب فلا نستطيع أن نقارن مناطق في دمشق مثل مناطق موجودة بأرياف حلب او دير الزور أو القامشلي، وهناك نقطة مهمة كثيرا هي أن أول من يتأثر في الحروب هو التعليم، وآخر من يتعافى هو التعليم ، وحتى يتعافى ننتظر فترات طويلة بسبب هجرة الكوادر وتهديم المدارس، ومسألة تهديم المدارس مشكلة كبيرة جدا، كما نسعى لإجراء دورات تدريبية لإعداد الكوادر للمعلمين وتقديم الدعم لهم والكثير من القضايا.
أواجه تحديات كبيرة جدا فأكبر هم لدي أن يدخل التلميذ إلى مدرسته، وأيضا هجرة الكوادر، إضافة إلى وجود عدد كبير من المعلمين في مناطق، ومناطق أخرى خلت من المعلمين ويجب معالجة هذا الخلل الكبير.
ويتابع: هناك نقطة مهمة ذكرها السيد الرئيس بشار الأسد عندما شرفني وقابلني قال:// يجب أن يكون للمعلمين قانون خاص بعيد عن قانون العاملين الأساسي //، ولا نستطيع أن نقارن المعلم مع العاملين في الترقيات الوظيفية والمكافآت والتعويضات (مع احترامي للعاملين بأي وظيفة).
وتنمية المواهب عند الطلاب بحسب الدكتور محمد عامر المارديني من القضايا الكبيرة التي تشغل فكري ، فعند تحويل حصة الرياضة إلى رياضيات أو حصة الموسيقا إلى حصة فيزياء أو كيمياء أو الرسم إلى علوم فهذا شيء مزعج، فأقول متى سنعمل على الذائقة الفنية للطلاب؟ لماذا نحرمهم؟ وخاصة بوجود مجموعة من الطلاب الذين يمتلكون المواهب، لكن لا أحد يكتشفها وتحدي القراءة مثال على ذلك، لدينا مؤسسة مهمة جدا في الوزارة اسمها مديرية الأنشطة الفنية و الرياضية وهي معنية بكل النشاطات الموجودة على مستوى سورية، بكل مديريات التربية توجد نشاطات وفعاليات لتنشيط الذائقة الفنية والرياضية.
وحول الكوادر التربوية يقول إن أمر استعادة الكوادر المهاجرة صعب للغاية لأنها تستوطن في المكان التي تهاجر إليه ، وأن نعيد تأسيس كوادر جديدة هذا الشيء صعب جدا ولكن نعمل عليه، وقد عملنا من فترة قصيرة ما يشبه (أرب أيديل)، أتينا بخرجي المعاهد الفنية والموسيقية لنسمع صوتهم وطريقة عزفهم مع وجود عدد من المشاكل الكبيرة لعدم معرفتهم بالصولفيج وعدم معرفة بعضهم الرسم بقلم الرصاص، ونحن نريد أن يعلموا التلاميذ، كما نعمل على قضية مهمة التأهيل والتدريب وهذا أحد المناحي الأساسية في العمل التربوي.
قمنا بإلغاء الدورة الثانية للبكلوريا، وأصبح لدينا عطلة صيفية مدتها ثلاثة أشهر، ومن خلال ذلك نستطيع تدريب المعلمين وتدريب التلاميذ وتأهيلهم كما يشمل التدريب المسارح ، مثل المسارح المدرسية حيث أخذنا أربع مدارس لنعمل بها، فرق المسرح المدرسي وفرق الموسيقا المدرسية يجب أن يكون لديهم مكان يعملون به، وحتى على مستوى الثقافة المجتمعية عندما نقول للأهل ابنك موسيقي وسيقابله الوزير مع شهادة تكريم إضافة إلى مكافأة مالية تحس بأنه ملك وتتعزز مواهبه أكثر وأكثر.
وعن حياته خارج سورية يقول محمد عامر المارديني: خمس سنوات عجاف كانت عندما سافرت إلى ألمانيا لم أكتب فيها ولكن قرأت ل يوهان غوته وشيلر وكافكا حتى أزيد الذخيرة اللغوية الألمانية ، وألوم نفسي لأنني لم أكتب في ألمانيا لربما السبب أنني أسست عائلة وانشغلت برسالة الدكتوراه.
أكثر الكتّاب تأثيرا بي الكاتب نجيب محفوظ بغض النظر عن مواقفه السياسة هو كاتب بارع يحمل كاميرا وهوي يصور الأشياء بخيالاته العذبة ، والطبيب عبد الحليم عبدالله و والطبيب عبد السلام العجيلي أردت أن أرى القيمة الأديبة لديهم ، كما شدني بأسلوبه كل من تشيخوف و عزيز نيسين.
ولكي يكون الأدب ساخرا يجب وفق ما يتابع الأديب محمد عامر المارديني أن يكون مهيأ ونحن في المنزل نحب النكتة، ويقول: كنت أقلد أبي بطريقة عجبية وكانت الناس لا تستطيع أن تكشف الفرق بين صوتي وصوته، وكنت أقلد المدرسين أيضا، فعندما غاب مرة أحد المدرسين قمت بتقليده أمام الطلاب.
يقول الأديب الدكتور محمد عامر المارديني أول مرة أكتب فيها بعد سنوات طويلة من القراءة قصة (عريف الصف)، وهذه القصة تذكرني انطلاقا بمدرستي وانتهاء عند عودتي من الإيفاد، وكتبت قصة (حموضة معدة) وقد سميت المجموعة كلها باسم حموضة معدة وقصة أبو لهب، وقصة (صاحب الظل القصير) هي رواية بوليسية ربطتها بمواقف حصلت بمدرستي ، فكنت أنا وأصدقائي ولدينا صديق كما يقولون (على نياته) ذهبنا للمقبرة وقلنا له سمعنا صوت أبيك بالمقبرة وصرنا نقلد صوت أبيه وكان ظل صديقنا قصيرا، فربط تلك الأحداث وأصبحت عنوانا لقصتي صاحب الظل القصير، التي أصبحت قصة بوليسية بدأت بالمقبرة وانتهت بجريمة كبيرة ، كما جسدت فكرة تقليد صوت أبي في رواية صاحب الظل القصير، فالابن في القصة يعرف يقلد صوت أبيه.
وعن علاقته بدمشق ومدى حبه لها يقول: أعيش بها وتعيش بي ومعظم إخوتي في بلاد المهجر من أيام السبعينيات، عندما كنت في ألمانيا كانوا يحبون أن اجتمع معهم في أمريكا ولكن لم أصدق كيف مضى 35 يوما حتى أعود لدمشق، دمشق هي حريتي وحبسي لا أنسى رائحة خبز التنور بالفرن عند جوزة الحدباء .. ولا أنسى بياع الفول والمخلل بسوق ساروجة عندما نذهب صباحا ونعمل الفتة بسمنة، وعندما أذهب للمدرسة هذه القضايا لا أستطيع أن أخرج منها، أتأسف على القطع نتيجة التوسع العمراني الذي أدى إلى تغير معالم دمشق التي لم أعد أعرفها، والآن نرى الازدحام ولا يغيب من ذاكرتي محلات الجزمات والكنادر، وسينما النصر، وبياع الحلو وبياع علوان ، وفي حارة عين الكرش سينما غازي القريبة من المرجة ذكريات عالقة.
ويتابع: في دمشق كل مكان في المنطقة هو جزء من حياتك ومن تاريخك وكثير من الظروف التي مضت كانت تساعدني لأخرج من دمشق رغم وجود أهلي في المهجر كما ذكرت ، لكن لم أستطع الخروج، في الشام أنا عالق ، وسأبقى أعيش بها وأريد الموت بالشام..
الأعمال الحالية الأديب الدكتور محمد عامر المارديني في سطور
نبذة عن مجموعاته القصصية
وتميزت عناوين القصص بأنها كانت أسماء لأشياء من البيئة الشعبية أو التراث وجاءت عناوين أخرى مستمدة من ألقاب الشخصيات من طبقة الفقراء والكادحين أو المسؤولين.