لبنى عيسى

خاص هوى الشام | الآن وبعد مشوار طويل في الغربة بقصد الدراسة في إسبانيا عدت إلى بلدي العراق الحبيب رافضاً الجنسية الإسبانية ومتمسكاً بجنسيتي العراقية التي أحبها كثيراً.

حملت كل ما أدخرت من معلومات وعلوم حول العلاقات النفسية والأسرية وتطوير الذات وعدت بها فرحاً لأفيد بها أبناء عراقي الحبيب.

وحقاً بدأت تدريس الماجستير باختصاص مستشار نفسي وأسري وكان عنواني هو (سأصنع ذاتي).

كلنا بحاجة لصنع ذاتنا وإعادة ترتيبها مزجت بين علوم الإنسانية وعلم النفس في الكوتشينغ وأنشأت مدرسة خاصة بي اسمها (التنمية الذاتية) كان فيها عدد ليس قليلا من الطلاب وأثناء جولتي على مستشفيات الأمراض السرطانية قابلت طفلة تشبه نسمة الصيف واسمها مريم، كانت ملفتة جدا وجميلة وبريق عينيها احتوى كل براءة الطفولة على هذا الكوكب.

ترددت عليها بشكل دوري وكانت سعادتها لا توصف تعطيني طاقة من الفرح ليست في مكان آخر من المجرة الفسيحة، واظبت على زيارتها ودعمتها معنوياً مع أصدقائها هناك، في كل زيارة كنت أشعر بلهفة انتظارها وبريق عينيها عند رؤيتي.

كان المشهد مرسوماً في قلبي بقلم من نور يضيء داخلي بوهج من السعادة والرضى لا يوصف، ما أجمل محبة مريم لي وما أجمل الفرح في عينيها الصغيرتين، كل تفاصيل الزيارة تطبع في ذاكرتي كالنقش البابلي على حجارة العراق الحبيب، الذكرى التي لا ولن تنسى.

شاءت الأقدار أن أبتعد عن مريم الغالية للمرة الأولى منذ عرفتها وذلك بسبب سفري المفاجىء لدولة أخرى من أجل تخصص  ثان، مضت سنة من عمري كانت ثقيلة جداً، فطيف مريم بقي معي في غربتي وهاجس الاطمئنان عليها ورؤيتها مرة ثانية رافقني طويلا.

إلى أن جاء موعد عودتي وكم كنت مشتاقاً إلى حبيبتي مريم كأنها ابنتي الصغيرة التي فارقتها منذ عام مضى حملت هديتي وباقة الزهور الفواحة وذهبت للمستشفى، لكنها لم تكن هناك أخذت عنوانها ورحت أبحث عن بيتها حتى وجدته في منطقة ريفية نائية بعيدة عن كل وسائل الحياة.

طرقت الباب بحماس وكلي أمل بلقاء مريم وكانت دقات قلبي أعلى من طرقات يدي على الباب، وأخيراً فتحت أم مريم الباب وتفاجأت وبغمرة من السعادة صاحت لقد أتى لقد أتى ظننتها تخبر مريم بهذا الصياح لتركض مريم لملاقاتي وأنا متأهب لاحتضان الصغيرة جثوت على ركبتي استعدادا لقدومها لكن انتظاري طال وتأخرت مريم عني طويلاً وعلا صوت بكاء أم مريم في كل أرجاء المنزل وانهمرت دموعي بحرقة شديدة وهي تسيل على خدي كأنها جمرات من النار وأنا أقول بحرقة أب مكلوم لا تقوليها يا أم مريم.

قالت أم مريم إي والله يا دكتور خالد مريم ماتت ماتت ماتت وأجهشت بالبكاء وأختنق صوتها دار الكون بي وضاق صدري بشدة حتى شعرت أنه لم يعد يتسع لقلبي الحزين على فراق صغيرتي المُحِبة كم كان وقع الخبر مفجعاً وصادماً.

واسترسلت أم مريم بعد فترة قائلة لكن مريم قالت لي: الدكتور خالد سوف يأتي قولي له أني أحبه وألا ينساني وقولي له كم كنت أحب أن أراه كثيراً، مريم لم تستطع انتظارك أكثر برغم لهفتها الدائمة لكن صحتها تدهورت وكنت عاجزة عن إكمال علاجها.

غادرتنا تلك الصغيرة باكراً وكانت كلماتها أصدق ما سمعت في حياتي ومشاعرها هي أصدق مشاعر الحب في هذا العالم، رحيل مريومتي أوجعني كثيراً وتألمت روحي على فرقتها.

تابعت أم مريم حديثها وهي تقول لي حمّلتني مريم أمانة لك تقول: يا دكتور خالد كم مريومة الآن في مشفى الأمراض السرطانية تحتاج دعما نفسيا وعلاجا تأهيليا خليك معهم ولا تتركهم لأنهم يحبوك كما أحبك أنا، إذا كنت تحبني أكمل مشوارك معهم.

عدت من بيت مريم مكسور الخاطر وصورة مريم في مخيلتي لا تبارح عقلي، تمددت على فراشي منهك القوى لا أقوى على النطق بحرف واحد…. في حلمي شاهدت حمامة بيضاء جميلة ترفرف بالقرب مني ويفوح منها طيب كأنه ريح  من الجنة وتقول لي أكمل رسالتك.

كانت هذه الحادثة موجعة جداً حد لفظ الأنفاس لكنها أيضاً كانت سبباً لأبدأ رسالتي الموسعة في بلدي الحبيب العراق برغم كل ما ستحمله لي من ألم فراق مريم مجدداً لكني سأكمل رحلتي مع مريم الحبيبة حتى النهاية.

اقرأ أيضا : نزاع إخوة – قصة لبنى محمد عيسى

(( تابعنا على الفيسبوك   –  تابعنا على تلغرام   –   تابعنا على انستغرام  –  تابعنا على تويتر ))