هوى الشام
ما إن بدأ الموسم الدرامي الرمضاني حتى اختفت أزمة المحروقات كلياً عن الساحة الزرقاء، ومعها خفتت أصوات مشجعي دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، ودُعست الخنافس شر دعسة، أما موجة الجراد المتوقعة فغابت تماماً وكأن أحداً لم يسمع الخبر، وحلّت محل هذه الأخبار ومحل منشورات الشامتين الرياضيين والمنتظرين أمام الكازيات منشورات حب وكره ونقد وتحليل للأعمال الدرامية المحلية والمشتركة، وصارت الدراما الحديث والمنشور الطّاغي على معظم صفحات المشتركين في وسيلة التواصل الاجتماعي الـ«فيسبوك».
حلقات قليلة كانت كفيلة لتظهر لنا تباين الآراء والأحكام، لدرجة أن بعض المتابعين تراجعوا عن أحكامهم التي أطلقوها على عمل ما من خلال الحلقات الثلاث الأولى، وللأمانة هذا التراجع يحسب نقطة إيجابية لهم ويدلل على مصداقيتهم، إذ كتب الشاعر محمد عيسى على صفحته: بالنسبة لمسلسل «ترجمان الأشواق»، اختلف كلياً ابتداء من الحلقة الثالثة، حيث أصبح إيقاع العمل يتطور نحو الأفضل ومن جميع النواحي، أما الكلام السلبي الذي كتبته عن العمل فكان بناءً على الحلقة الأولى والثانية، وما زلت عند رأيي بما يخصهما لأني ظننت أن العمل سيكمّل على منوال البداية، أعتذر عن تهجمي على العمل، لكني ما أزال مصرّاً على أنّ البداية كانت سيئة وتشير إلى الإحباط.
أما عماد صارم فذهب إلى موضوع آخر كان حديثنا لزمن طويل ألا وهو هوس عمليات التجميل ،ولاسيما عند الممثلات اللبنانيات المشاركات في أعمال سورية، يقول: القاسم المشترك الموحد الذي يجمع نجوم الدراما السورية في مشهد واحد، هو ظهور النجم بالحركة البطيئة وهو يُقحم في فمه سيكاراً كوبياً عيار ١٤ ميلمتراً، ثم يغمض عينيه نصف إغماضة كدليل على الذكاء العميق والرؤية الثاقبة واستشراق المستقبل، يتبع ذلك مشهد لإحدى الممثلات اللبنانيات الحسناوات وهي تذرف الدموع الممزوجة بالسليكون والبوتكس والفيلر، طبعاً كل ذلك يتم في قصور إمبراطورية فاخرة مع الكثير من السيارات الفارهة الباهظة الثمن والمرافقة والحراسة المشددة والمظاهر الأرستقراطية، ويتساءل صارم: هل يعقل أنّ الشعب السوري يعيش بهذه الرفاهية كلها؟
ولا تخلو المنشورات من حس الفكاهة الذي عرف به السوريون، ولاسيما خلال سنوات الحرب، يقول صارم: مسلسل بقعة ضوء.. «المكتوب مبين من العنوان».. «يا شماتة أبله ظاظا»، وعلى غراره يقول الزميل الإعلامي قصي علي: «جبل شيخ الجبل إذا بيضل ماشي وضعه هيك بالجزء الجاي بيتزوج كيم كاردشيان»؟
وعلى خلاف محمد عيسى، شدّت الحلقات الأولى من مسلسل «مقامات العشق» الزميل الإعلامي وائل عدس لمتابعة العمل إضافة إلى شارته، يقول: «مقامات العشق» أنتظر حلقاته بفارغ الصبر… مقامات ساحرة تنبض حباً وسلاماً وطمأنينة، أجمل شارة أيضاً، رائعة ومؤثّرة.
أما حصاد الهيبة، فكان له حصة من النقد الأكاديمي، يقول المخرج السينمائي اللبناني بلال خريس: تيم حسن لا غبار على حرفيته العالية في التمثيل وتقمص الشخصيات المتناقضة التي شاهدناه بها في العديد من مسلسلاته الرائعة، لكن مسلسل الهيبة خرّب هيبة هذا الفنان الجميل وحوّله إلى هدف تجاري محض، فالنص يكتب على مقاس تيم حسن «جبل شيخ الجبل» والأحداث تسير لتعويمه وفرضه والبطلات هنّ من يلاحقنه والكاميرا وكل الفريق في خدمة صورته، للأسف صار كل الإنتاج في خدمة تيم حسن السلعة وليس الفنان، موضحاً: على تيم حسن الخروج من هذه المهزلة التجارية فهو أعلى وأرفع بكثير، لا نريده باب حارة ثانياً، نريده باباً يتجدد كل عام في مسلسل جديد وشخصية جديدة، «جبل شيخ الجبل» قطف الحصاد في الجزء الأول، وكل ما بعده صار غثاءً أحوى، خاتماً منشوره بالقول: مع محبتي واحترامي.
ولم تكن أعمال البيئة الشّامية بعيدة عن هذه المنشورات، تقول المسرحية مجدولين حبيب: يجب إقامة حجر صحي على كلّ من يتابع باب الحارة ومنعه من التعاطي مع المجتمع وإغراقه بالكتب والأفلام العالمية والمسلسلات الهادفة المهمة لكي «يشطف» ما علق في ذهنه من سخافات بسبب هذا المسلسل السخيف ومن ثم إخراجه ليكمل حياته وينشئ جيلاً واعياً مثقفاً مبدعاً، مؤكدة خطورة مسلسل كهذا على أجيالنا القادمة.
مقابل كل ذلك، يبقى هناك أشخاص لا يتابعون الموسم الرمضاني وربما كل مواسم الدراما، لكن على الرغم من ذلك لهم رأيهم ولهم أسبابهم في الإدلاء بآرائهم، إذ كتب الأديب إسكندر حبش على حسابه على الـ«فيسبوك»: لا أعرف -مثل العادة- ما هي مسلسلات «رمضان» هذا العام، آخر ما أفكر فيه هو الجلوس لساعات أمام الشاشة لمتابعته مهما يكن، فقط يزعجني أن زوجتي خلال متابعتها لم تتوقف عن «شتم» ممثلة (أعتقد ذلك، ولا داعي لأسألها)، لذا، رجاء من كتّاب الدراما ومخرجيها و..و.. اصنعوا شيئاً، لا لأشاهده بالتأكيد، بل كي أتوقف عن أن أجفل، كلما سمعت زعيق زوجتي.
ومهما تكن التعليقات والتحليلات تبقى مجرد تنبوءات تثبت صحتها أو عدمها الأيام القادمة والحلقات الأخيرة لا الأولى.
نجوى صليبه – تشرين