هوى الشام| يبدو أن مشهد حشود السوريين والسيول البشرية التي حرصت على القدوم إلى سفارات بلدها في دول العالم المختلفة، سيترك حيزه من الذاكرة والنقاش لفترة طويلة، ولاسيما ان الرسائل السياسية بدت شديدة الوضوح في لحظة دولية تتغير فيها معطيات التعاطي مع الملف السوري شيئاً فشيئاً.

رسائل عديدة حرص السوريون بشقيهم الرسمي والشعبي على إرسالها، كان أولها الحرص على المضي في الانتخابات الرئاسية رغم البيانات والتصريحات المعروفة والمتوقعة، ومحاولات ربط هذا الاستحقاق بأجندة “جنيف” والمناقشات الدائرة هناك حول الدستور، حيث بدت الدولة السورية أكثر حرصاً على تطبيق دستورها القائم ، والمضي وفقاً لمواعيده نحو الانتخابات، التي أفرزت ثلاثة مرشحين رفعوا شعاراتهم الانتخابية ومضوا إلى حملاتهم استعداداً ليوم الاقتراع.
الاستعدادات للانتخابات بدأت من الخارج واستعدت البعثات الدبلوماسية السورية في مختلف دول العالم ليوم الاقتراع الذي جرى أمس، حيث استنفرت الدبلوماسية السورية المشهود لها بكل كوادرها لإنجاز الاستحقاق، الذي كشفت التفاصيل المرافقة له كيف تغير العالم وتغيرت وجهة نظر الكثير من الدول تجاه ما يجري في سورية، لتكتفي تركيا وألمانيا بمنع اجراء هذه الانتخابات، وتعلن دول كانت اتخذت موقفاً معادياً لها في عام 2014 عدم ممانعتها وربما مباركتها لهذه الانتخابات في مكان ما، لتفتح السفارات السورية في الإمارات وفرنسا ودول غربية وعربية أخرى كانت عارضت إجراء الانتخابات قبل سبع سنوات أبوابها أمام المواطنين السوريين الذين لم يتأخروا في تلبية النداء.
مشهد صباح العشرين من أيار لم يشبهه مشهد مماثل منذ ما قبل عشر سنوات عجاف مرت على البلاد، فاحت منه رائحة الوطنية والخوف والحرص على سورية من قبل أهلها البعيدين، سيول بشرية لم تقدر أكثر الشاشات عداء لبلادنا أن تغمض عينها عنها أو تزورها، شبان وشابات رجال ونساء عجائز وحتى مصابين، حرصوا على القدوم نحو أرض بلدهم في الدول المضيفة لهم، لقول كلمتهم في هذه الانتخابات.
أثناء تحضيراتنا الإعلامية لانتخابات سفارات البلاد قبل أيام واتصالاتنا مع رؤساء البعثات الدبلوماسية تحدث الجميع عن نسب مشاركة عالية في القوائم الانتخابية لكنهم كانوا حريصين على التنبيه من تداعيات إجراءات الوقاية المتخذة في دول العالم لمواجهة كورونا، كذلك تباعد المسافات بين مقار السفارات ومناطق وجود السوريين والتي تحتاج في بعض الدول للقدوم بالطائرة للوصول نحو السفارة، لكن ما جرى بالأمس فاق كل التوقعات وهذا جاء على لسان رؤساء البعثات أنفسهم، فلا إحراءات كورونا وقفت أمام الناخبين السوريين بالمرصاد ولا المسافات كانت عائقاً بينهم وبين صندوق الاقتراع الذي حرصوا على الوصول إليه للإدلاء بأصواتهم، حتى إن المئات منهم وكما نقلت عدسات الكاميرات في دول مجاورة لسورية قدموا مشياً على الأقدام رغم كل الظروف التي تحيط بهم.
مغتربون ينتمون لكل الجغرافية السورية، ولكل أطيافها الاجتماعية قدّموا مشهداً من الوطنية لن يمحى من الذاكرة، وقدموا أيضاً الرسالة السياسية الأكثر بلاغة، والتي كشفت عن مؤشرات عملية لتراجع مشروع استنفذ ما يكفي سياسياً ومالياً لتنفيذه ، رغم وجود أصوات عابثة خرجت هنا وهناك لكن صوتها هذه المرة بدا خافتاً وهذا مؤشر بحد ذاته.
إيمان مغتربي سورية ببلدهم وعلى هذا النحو وهذه الطريقة كان كفيلا بنسف صورة إعلامية اشتغل عليها لسنوات وصرف لأجلها ما يكفي من الدولارات، فالمؤشرات الشعبية لخيارات السوريين في الخارج بدت واضحة، وهي ترافقت بالتأكيد مع مؤشرات لاتقل أهمية بدأت تلوح في أفق التعاطي مع الملف السوري عربياً وغربياً، يبدو أن أيام ما بعد الانتخابات ستكشف بعضاً من تفاصيلها.
مؤشرات العشرين من أيار انعكست سريعاً على الأرض، البعض عبر عن غضبه وعلى طريقته الإجرامية المعروفة وبدأ بالاعتداء على السوريين خلال وبعد اليوم الانتخابي وهذا انفردت به بعض العصابات اللبنانية أمس، والبعض اختار الصمت هذه المرة، فغابت البيانات والتصريحات التي اعتدنا سماعها من الدول الغربية تعليقاً على أي خطوة تنجزها الدولة السورية.
طريق الانتخابات مستمر حتى السادس والعشرين من الجاري، وطريق إعادة البلاد بكامل حدودها مستمر أيضاً، لكن الثابت أن مزيج المحبة والوطنية والانتماء والحنين لسورية التي نريدها والذي شاهدناه أمس، والدموع الغالية التي انهمرت من أعين المشتاقين لأرضهم وبيوتهم ستحملنا الكثير من المسؤولية في المرحلة القادمة والتي لا بديل فيها عن الإنجاز واستعادة بلادنا كما نريد.
المصدر: الوطن

((  تابعنا على الفيسبوك   –  تابعنا على تلغرام   –   تابعنا على انستغرام  –  تابعنا على تويتر ))