هوى الشام
لم يمر أشهر معددوة على بدء الأزمة في سورية في عام 2011 ،حتى بدأ مواطنون سوريون يبحثون عن ملجأ خارج بلادهم هرباً من الموت، فكانت الوجهة الأقرب لبنان، ثم الاردن والحدود التركية والعراقية، ومنهم من ركب “البيلم” وشق البحر والمحيطات، ومنهم من قضى نحبه ، ومن فقد عائلته، ليسجل التاريخ اقسى ملف شهده لمعاناة لا يمكن وصفها.
ملف المهجرين السوريين الذي لعب بأعدادهم ، وتعرض للابتزاز السياسي من قبل المنظمات الدولية التي تعمل بمنطق الجرح والمداواة وتأخذ دور الحمل الوديع في رعايتها لضحايا الحروب التي تشعلها الدول الكبرى ، وتحدث البلابل والقلاقل في الدول النامية لاستخدامها في بازار التفاوض السياسي ، وتقاسم الغنائم الدولية ونهب الثروات وبيع الأسلحة.
ومع التوصل الى اتفاق دولي لحلحة هذه الملف ، يعود يوميا الى سورية عشرات العائلات من المهجرين، وخاصة من قبل الشباب ممن كانوا مطلوبين لتأدية الخدمة الاحتياطية في الجيش السوري، وتسقط بصمت ورقة من اوراق ملف المهجرين ولتعود الدولة السورية الى مأساة اخرى تواجهها مع المهجرين التي عانت من نزوحهم ، واستخدامهم في المحافل الدولية ورقة ضغط عليها لتعود تتحمل أمراضهم وارتفاع ضغطهم وحالتهم الصحية السيئة نتيجة سوء حال المعيشة التي كانوا يعيشونها، واعتمادهم على المساعدات في غذائهم.
افتتاح معبر نصيب عجل من عودة المهجرين ، لا وبل رفع سقف المطالبة من قبل الاردن بالاسراع على إزالة معسكر الركبان للاجئين، والذي كان يقيم فيه 50 ألف لاجئ هذا المخيم الذي لوح بملفه في مجلس الامن الدولي وتعب مبعوث الامين العام للأمم المتحدة الى سورية ستافان دي ميستورا من حمله ضمن مصنف سماوي خلال تنقله بين عواصم الدول التي كانت توصف نفسها بالحنونة على العشائر والمهجرين، وجهزت لهم المخيمات وسهلت خروجهم بالإغراءات والاشاعات اليوم مزقت صفحتهم السياسية وتركتهم في مهب المصير المجهول خوفاً من العودة الى سورية، ومواقفهم المعادية من الدولة، وخوف اخر من الدعوة الاحتياطية الى صفوف الجيش، وخجلتهم من العودة الى زواريب حاراتهم ومقابلة من صمد وتحدى الارهاب.
وعلى الحدود اللبنانية تشهد معابر الدبوسية والزمراني وجديدة يابوس الحدودية عودة دفعات جديدة من المهجرين السوريين من الأراضي اللبنانية يحملون امراضهم ، وأطفال جنسيتهم لبنانية وبعضهم يبحث عن نسبه، تستقبلهم الحكومة السورية وتنقلهم الى بيوتهم وقراهم بابتسامة ورفاهية بينما تتجاهل الحكومة اللبنانية عودتهم ، وكأنه لا يعنيها هذا الملف التي تشدقت ولوحت به كثيرا حتى تمزق اليوم.
وعلى الحدود العراقية المفتوحة ، هذا الملف لم يكن في الحسابات السياسية أولوية لذلك بقى طي الكتمان يذهب من يذهب ويعود من يعود دون ضجيج اعلامي أو بانتظار فتح المزيد من المعابر الرسمية لإعلان العودة المظفرة.
الحدود التركية التي شهدت توقيع اتفاق لإقامة منطقة عازلة بحدود 15 إلى 20 كم في إدلب لا يزال الإرهابيون متواجدين بأسلحتهم الثقيلة في هذه المنطقة، ومحاولة انقرة بين الفينة والاخرى فتح معابر لتسهيل دخول وخروج السوريين خلال فترة الاعياد لا يدل على ان ورقة المهجرين السوريين في أنقرة مزقت، قد تكون وضعت على طاولة التشريح بانتظار تمزيقها، وتنفيذ بنود البيان الختامي لقمة اسطنبول، التي جمعت زعماء روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا بتهيئة الظروف المناسبة في عموم سوريا للعودة الآمنة والطوعية للنازحين واللاجئين إلى أماكنهم الأصلية وتوفير البنية التحتية للعائدين.
المهجرون خلف البحار والمحيطات ومن خلال تواصل شبكة تحقيقات مع العديد منهم، فإن عودتهم الى سورية ليست أكثر من زيارة سريعة، ومن ثم الرجوع الى اعمالهم واشغالهم التي أسسوها في بلاد الاغتراب، ويلقون ترحيب صامت من القارة العجوز التي فرحت بمشاهد الاطفال السوريين في حدائقها وملاعبها.
ملف المهجرين السوريين يتساقط تباعا من أوراق اللعبة السورية ، وحصول الدولة السورية على جائزة الفوز مغموسة بالدم والتضحية، ليصحى السوريون على سؤال ماذا حدث في هذا الملف ؟؟
المصدر : تحقيقات