هوى الشام| على مدى القرن الماضي، ارتفع متوسط درجة حرارة الأرض بسرعة بنحو درجة مئوية واحدة (1.8 درجة فهرنهايت).
ومن الصعب الاعتراض على الأدلة. فهي تأتي من موازين الحرارة وأجهزة الاستشعار الأخرى حول العالم.
ولكن ماذا عن آلاف السنين قبل الثورة الصناعية، قبل موازين الحرارة، وقبل أن يسخن البشر المناخ بإطلاق ثاني أكسيد الكربون المحتجز للحرارة من الوقود الأحفوري؟.
في ذلك الوقت، هل ارتفعت درجة حرارة الأرض أم انخفضت؟
على الرغم من أن العلماء يعرفون عن آخر 6000 سنة أكثر من أي فترة زمنية أخرى متعددة الألفيات، إلا أن الدراسات حول هذا المنحى الطويل الأمد لدرجة الحرارة العالمية توصلت إلى استنتاجات متناقضة.
ولمحاولة حل هذا التناقض، أجرينا تقييما شاملا على نطاق عالمي للأدلة الموجودة، بما في ذلك المحفوظات الطبيعية، مثل حلقات الأشجار ورواسب قاع البحر، والنماذج المناخية.
وتقترح نتائج إيلي برودمان، وهو باحث مشارك في ما بعد الدكتوراه في علوم المناخ، وداريل كوفمان، أستاذ علوم الأرض والبيئة، جامعة شمال أريزونا، التي نُشرت في 15 فبراير 2023، طرقا لتحسين التنبؤ بالمناخ بغية تجنب فقدان بعض ردود الفعل المناخية المهمة البطيئة الحركة والتي تحدث بشكل طبيعي.
الاحتباس الحراري في السياق
يبحث العلماء الذين يدرسون المناخ الغابر، أو المناخ القديم، عن بيانات درجة الحرارة من زمن بعيد، قبل وقت طويل من نشوء موازين الحرارة والأقمار الصناعية.
لدينا خياران: يمكننا العثور على معلومات حول المناخ الماضي مخزنة في المحفوظات الطبيعية، أو يمكننا محاكاة الماضي باستخدام النماذج المناخية.
هناك العديد من المحفوظات الطبيعية التي تسجل التغيرات في المناخ بمرور الوقت. ويمكن استخدام حلقات النمو التي تتشكل كل عام في الأشجار والصواعد والشعاب المرجانية لإعادة بناء درجة الحرارة السابقة.
ويمكن العثور على بيانات مماثلة في الجليد الأزلي وفي الأصداف الصغيرة الموجودة في الرواسب التي تتراكم بمرور الوقت في قاع المحيط أو البحيرات. وهذه هي مثابة بدائل للقياسات المبنية على مقياس الحرارة.
وعلى سبيل المثال، يمكن للتغييرات الحاصلة في عرض حلقات الأشجار أن تسجل تقلبات درجات الحرارة. فإذا كان الطقس خلال موسم النمو شديد البرودة، فإن حلقة الشجرة المتكونة في ذلك العام تكون أرق من تلك المتكونة في سنة طقسها أكثر دفئا.
وتم العثور على عامل آخر من عوامل الحرارة في رواسب قاع البحر، في بقايا مخلوقات صغيرة تعيش في المحيط تسمى foraminifera. فعندما تكون الـforaminifera حية، يتغير التركيب الكيميائي لقشرتها تبعا لدرجة حرارة المحيط.
وعندما تنفق هذه، تغرق وتدفن بواسطة حطام آخر بمرور الوقت، مكونة طبقات من الرواسب في قاع المحيط. ويمكن لعلماء المناخ القديم بعد ذلك استخراج نوى الرواسب وتحليل الأصداف في تلك الطبقات كيميائيا لتحديد تكوينها وعمرها، وأحيانا يعودون إلى آلاف السنين. والنماذج المناخية، وهي الأداة الأخرى لاستكشاف البيئات الماضية، وهي تمثيلات رياضية لنظام مناخ الأرض. وتصيغ العلاقات بين الغلاف الجوي والمحيط الحيوي والغلاف المائي لإنشاء أفضل نسخة طبق الأصل عن الواقع.
وتُستخدم النماذج المناخية لدراسة الظروف الحالية، والتنبؤ بالتغيرات في المستقبل، وإعادة بناء الماضي.
على سبيل المثال، يمكن للعلماء إدخال التركيزات السابقة لغازات الدفيئة، والتي نعرفها من المعلومات المخزنة في فقاعات صغيرة في الجليد القديم، ويمكن للنموذج استخدام هذه المعلومات لمحاكاة درجات الحرارة السابقة. وتُستخدم البيانات والتفاصيل المناخية الحديثة من المحفوظات الطبيعية لاختبار دقتها.
وتعد النماذج المناخية مستمرة في المكان والزمان، ولكن رغم أنها غالبا ما تكون ماهرة جدا، فإنها لن تلتقط أبدا كل تفاصيل النظام المناخي.
لغز درجات الحرارة القديمة
في ورقة المراجعة الجديدة، قيّم الباحثون نظرية المناخ والبيانات البديلة والمحاكاة النموذجية، مع التركيز على مؤشرات درجة الحرارة العالمية.
ودرسوا بعناية العمليات التي تحدث بشكل طبيعي والتي تؤثر على المناخ، بما في ذلك التغيرات الطويلة المدى في مدار الأرض حول الشمس، وتركيزات غازات الاحتباس الحراري، والانفجارات البركانية، وقوة الطاقة الحرارية للشمس.
ودرسوا أيضا ردود الفعل المناخية المهمة، مثل تغيرات الغطاء النباتي والجليد البحري، التي يمكن أن تؤثر على درجة حرارة العالم.
وعلى سبيل المثال، هناك أدلة قوية على وجود القليل من الجليد البحري في القطب الشمالي والمزيد من الغطاء النباتي خلال فترة ما قبل حوالي 6000 عام مقارنة بالقرن التاسع عشر. كان من الممكن أن يؤدي ذلك إلى تعتيم سطح الأرض، ما يؤدي إلى امتصاص المزيد من الحرارة.
ويقدم نوعان من الأدلة إجابات مختلفة فيما يتعلق باتجاه درجة حرارة الأرض على مدى 6000 سنة قبل الاحترار العالمي الحديث.
وتظهر المحفوظات الطبيعية عموما أن متوسط درجة حرارة الأرض منذ ما يقرب من 6000 عام كان أكثر دفئا بنحو 0.7 درجة مئوية (1.3 درجة فهرنهايت) مقارنة بمتوسط القرن التاسع عشر، ثم تم تبريده تدريجيا حتى الثورة الصناعية.
وفي الوقت نفسه، تُظهر النماذج المناخية عموما اتجاها طفيفا للاحترار، يتوافق مع زيادة تدريجية في ثاني أكسيد الكربون حيث تطورت المجتمعات القائمة على الزراعة خلال آلاف السنين بعد تراجع الصفائح الجليدية في نصف الكرة الشمالي.
كيفية تحسين التنبؤات المناخية
يسلط تقييم الباحثين الضوء على بعض الطرق لتحسين التنبؤات المناخية.
على سبيل المثال، وجدوا أن النماذج ستكون أكثر قوة إذا كانت تمثل بشكل كامل ردود فعل مناخية معينة.
وكانت إحدى تجارب النماذج المناخية التي تضمنت زيادة الغطاء النباتي في بعض المناطق قبل 6000 عام قادرة على محاكاة ذروة درجة الحرارة العالمية التي تُرى في السجلات البديلة، على عكس معظم نماذج المحاكاة الأخرى، والتي لا تشمل هذا الغطاء النباتي الموسع.
وسيكون فهم هذه الملاحظات والتعليقات الأخرى ودمجها بشكل أفضل أمرا مهما حيث يواصل العلماء تحسين قدرتنا على التنبؤ بالتغييرات المستقبلية.
المصدر: RT
(( تابعنا على الفيسبوك – تابعنا على تلغرام – تابعنا على انستغرام – تابعنا على تويتر ))