العلاقات الفرنسية التركية

هوى الشام|يشارف عام 2020 على الرحيل، مخلفا وراءه شرخا في العلاقات الفرنسية التركية لا يبدو أنه سيلتئم، إذ وصلت العلاقات بين البلدين إلى مستويات غير مسبوقة من التوتر، على أكثر من جبهة، من قبرص إلى ليبيا مرورا بسوريا وأرمينيا، وصولا إلى ملف الإسلام في فرنسا.

ويرى الباحث في العلوم السياسية بجامعة “باريس إست”، ديديه لامار، أن العلاقات التركية الفرنسية لم تكن قبل عام 2020 في أحسن أحوالها، فهي تشهد منذ أكثر من عقد هبوطا واضحا، لعدة أسباب، لعل أهمها “التحفظ الفرنسي على دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، والمحاولات التركية للتمدد الناعم في الداخل الأوروبي من خلال الشبكات الدينية والسياسية.”

ويتابع في حديث مع موقع “سكاي نيوز عربية”: “لكن العام الحالي شهد ذروة هذا الصراع الذي كان خفيا لسنوات، بسبب التحول الجذري في سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي تغيرت إلى أساليب هجومية في مختلف المناطق، وافتعال المشاكل والتدخل في النزاعات، سواء في ليبيا أو أذريبجان أو سوريا، وكذلك في أوروبا، عبر استغلال الشتات التركي الكبير في القارة.”

ومنذ بداية العام، شهدت العلاقات بين البلدين توترا في أعقاب خطاب ألقاه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في مدينة ميلوز، شرقي البلاد في فبراير، حيث يوجد ثقل للجاليات التركية، قال فيه إنه “لن يسمح لتركيا أو لأي دولة أخرى أن تفرض قوانينها على المسلمين في فرنسا”.

وفي يونيو، شن الرئيس الفرنسي هجوما عنيفا على تركيا بسبب دورها في ليبيا، متهما الدولة العضوة في حلف شمال الأطلسي بأنها تمارس “لعبة خطيرة” لا يمكن التسامح معها.

وأشار ماكرون إلى أن الدور التركي في الصراع يهدد مصالح ليبيا، ودول الجوار، والمنطقة بأكملها، وأوروبا أيضا، وأنه لا يريد “الانتظار لستة أشهر، أو عام، أو عامين حتى يرى ليبيا في نفس الموقف الذي تعيشه سوريا اليوم”.

وقد جاءت تلك التصريحات بالتوازي مع هجوم نفذته سفينة تركية ضد قطعة بحرية فرنسية، أثناء مشاركتها في مهمة تابعة للناتو في البحر المتوسط، وهو ما نفته تركيا ووصفته بأنه “لا أساس له من الصحة”.

منعرج صامويل باتي

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد دعا إلى مقاطعة البضائع الفرنسية، وأشار إلى أن نظيره الفرنسي يحتاج إلى “فحص صحته العقلية”، وذلك ردا على خطاب ماكرون عقب قتل المدرس صمويل في أكتوبر الماضي، فيما ذهبت وكالة الأنباء التركية الرسمية إلى حد القول إن السياسة الفرنسية تستعيد ما وصفتها بـ”أحقاد الحروب الصليبية”.

ودأبت الصحف الفرنسية منذ مدة على نشر تحقيقات تتحدث عن “اختراق تركي للمجتمع الفرنسي” وعن “شبكات أردوغانية للتأثير الداخلي في فرنسا”. وقد توزعت هذه الشبكات ضمن عدد من المنظمات الفرنسية ذات الولاء التركي والجمعيات والمساجد.

وضمت هذه الشبكات، أئمة المساجد الذين يروجون لسياسات حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة، وقوامها الرئيسي الجالية التركية الكبيرة في فرنسا، التي يناهز عددها 700 ألف نسمة.

وتحاول تركيا السيطرة على الجاليات المسلمة في فرنسا، من خلال عدد من المنظمات، التابعة لها أو القريبة منها، لعل أبرزها، اللجنة التنسيقية لمسلمي تركيا في فرنسا، وهي منظمة تابعة إداريا وماليا للدولة التركية، وهي الفرع الفرنسي لرئاسة الشؤون الدينية التركية، وتدير نحو 300 مسجد من جملة 2500 مسجداً وبيت صلاة في فرنسا.

كما تقوم هذه المنظمة بجلب 151 إماما سنويا من تركيا، حيث يتلقون تعليما دينيا، وتدفع أجورهم مباشرة من الحكومة التركية، وتدير كلية للتعليم الديني في مدينة ستراسبورغ (شرق) باللغة التركية.

وتشير وسائل إعلام فرنسية إلى الصلة القوية بين أردوغان، وبين حركة الذئاب الرمادية المحظورة، لاسيما عند استحضار ما قامت به ضد الجاليات الأرمنية، مؤخرا، في ظل حرب التصريحات بين الرئيس التركي ونظيره الفرنسي، على خلفية مقتل باتي وقضية الرسوم الكاريكاتورية.

وقررت الحكومة الفرنسية، في 5 نوفمبر الماضي، حل حركة الذئاب الرمادية التركية القومية، على خلفية ترويجها للكراهية وارتكاب أعمال عنف على الأراضي الفرنسية.

آفاق غير واضحة

من جانبه، يعتقد الخبير الأمني في بروكسل، فابيان أوجين، أن أفاق العلاقات التركية الفرنسية “لا تبدو واضحة على المدى القريب والمتوسط، بسبب الاختلاف الجذري بين ماكرون وأردوغان”.

وتابع: “الرئيس التركي لديه مشروع توسعي نابع من فلسفة عثمانية جديدة يريد من خلالها تحقيق انتقام تاريخي، يعيد به أمجاد دولة إمبراطورية في القرن الحادي والعشرين، ومن جانب آخر ماكرون يخشى تقلص النفوذ الفرنسي، المتدهور أصلا.”

ويضيف أوجين في حديث مع موقع “سكاي نيوز عربية”: “صحيح أن تركيا شريك اقتصادي للاتحاد الأوروبي وعضو في حلف الناتو، لكنها في الوقت نفسه تمثل حاليا الخصم الأول لدول الاتحاد، خاصة لفرنسا على أكثر من جبهة، لا سيما في قبرص واليونان وحتى في الضفة الجنوبية للمتوسط. الأوروبيون يشعرون بأن مصالحهم التقليدية في الكثير من المناطق مهددة جديا من طرف الأتراك.”

وكان الرئيس الفرنسي قد اتهم في وقت سابق روسيا وتركيا باتباع “استراتيجية تهدف إلى تأجيج مشاعر معادية لفرنسا في إفريقيا، من خلال استغلال نقمة ما بعد حقبة الاستعمار”.

وقال ماكرون في مقابلة نشرتها مجلة “جون أفريك” نشرت في 18 نوفمبر: “يجب ألا نكون سذجا: العديد من الذين يرفعون أصواتهم ويصورون مقاطع فيديو، والحاضرين على وسائل الإعلام الفرنكوفونية، يرتشون من روسيا أو تركيا”.

يذكر أن قمة الاتحاد الأوروبي التي عقدت في 10 ديسمبر الماضي، قررت تشديد العقوبات ضد تركيا بسبب أعمالها في البحر المتوسط.

وأجّل الاتحاد الأوروبي تطبيق العقوبات حتى مارس المقبل، وأمهل تركيا حتى ذلك الموعد لتغيير موقفها بشأن التنقيب في شرق البحر المتوسط، وحل المشاكل العالقة مع اليونان وتفعيل مسار القضية القبرصية.

المصدر:سكاي نيوز

(( تابعنا على الفيسبوكتابعنا على تلغرام تابعنا على انستغرامتابعنا على تويتر ))