خاص هوى الشام من نبوغ محمد أسعد| تكتب رولا عبد الحميد الشعر والرواية وتعكس الواقع بأسلوب فني وتسعى دائما إلى المستوى الأدبي اللائق وتقديم المميز وخصت هوى الشام بالحوار التالي :
متى تكتبين الشعر وبأي الحالات النفسية؟
ليس لدي زمن معين للكتابة فأنا أكتب حين تدعوني روحي للكتابة وأنا ألبيها فوراً ولا أتلكأ في تلبيتها لأن روحي تدعوني للكتابة حين ترى أو تسمع أو تشعر بوجع إنساني في مكان وزمان ما، وأنا أكتب للإنسان في كل زمان ومكان، ولسورية وما تعانيها الحصة الكبرى فمن لا يشعر بألم أمه صعب أن يشعر بألم أمهات الآخرين، وحين أكتب أشعر بإنسانيتي تتجلى على الورق وأرى المعاني تحلق حولي فأطرز أجنحتها بكلماتي وحين أكتب أكون في لحظة انعتاق عن الواقع وأشعر أني لا أطأ الأرض بل أحلق.
هل اخترت النثر حصرا ولماذا؟
لا .. لم أختر النثر حصراً فأنا أكتب قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر لكني ركزت في مجموعاتي السابقة على قصيدة النثر، وأنا أكتب قصيدة النثر لكني حريصة جداً أن تكون قصيدة النثر مستوفية لمقومات قصيدة النثر وأن تنطوي على الرمز والإيجاز والإيحاء وأن تتمتع بوقع موسيقي بهي وأن تنسج بنسيج لغوي قوي ورصين وعذب وكل ذلك يكون بحضور الموهبة القوية والغنى المعرفي، وإذا أمعنا النظر سنرى أن هذه المقومات هي مقومات الشعر عموما إلا أن قصيدة النثر تتحرر من البحور الشعرية ومن التفعيلات، لكن البعض استسهل كتابة قصيدة النثر وراح يكتب أي كلام ويظن أن ما يكتبه قصيدة نثر وفي الواقع قصيدة النثر لن تكون قصيدة نثر إن لم تستوف المقومات التي ذكرتها آنفا.
وأنا في مجموعتي الأخيرة وهي قيد الطباعة كرست جزءاً كبيراً منها لقصيدة التفعيلة فهناك عوامل كثيرة جعلتني أهفو إلى قصيدة التفعيلة ومنها ميلي إلى الموسيقا فأشعر أن روحي تحمل كمانها وتجول في البراري تعزف وهذه الروح الموسيقية دعتني لكتابة قصيدة التفعيلة، كما أني أحببت كتابة قصيدة التفعيلة لأن البعض كما قلت استسهل قصيدة النثر وصار يكتب أية نصوص رديئة ويطلق عليها قصيدة نثر فرحت ألوذ بالموسيقا وأحببت هذا الملاذ الطيب.
هل أنت مع شكل أدبي معين أم ماذا ترين؟
لست مع شكل أدبي معين أنا مع الأدب، مع الكلمة الطيبة السامية، مع الإنسان روحا وحضورا وسموا، مع الأدب الرفيع الذي ينطوي على ثقافة عالية وحس نبيل وموهبة قوية، أنا ضد أن يسمى أي كلام شعرا أو أدبا وأتألم حين ينسب الكلام الرديء إلى الأدب والشعر لأني كشاعرة وأديبة أغار على الأدب والشعر أغار على الحروف أن تكتب بحبر رديء وأن تلطخ ضفائرها البتول بحبر من لا يعرف الكتابة، فالأدب والشعر عندي حالتان من السمو والتحليق لغة ومعرفة وثقافة وحضورا.
هل أنت مع الغموض أم أن هناك حالة فنية تفضلينها؟
كما قلت سابقا أنا مع الشعر مع الشاعرية مع أن تأخذ الكلمة حقها فحروفي ثمينة وغالية وعتيقة وهي لآلئ في محارات وعندما أصنع منها قلادة شعر أحبها أن تكون بهية الحضور والتجلي .
أنا مع الغموض الشفيف الذي يبوح بلغة ينساب منها عطر الرياحين يبوح بضفيرة فيبديها ويخفي ضفيرة ليسعى المتلقي أن يظهرها فيشعر بمتعة البحث ومتعة ملأ فراغات الهيكل الذي أمامه وقد علق بول غاليري على موضوع التلقي فقال “فلو أن ما يحدث في فكر الواحد منا ينتقل بصورة مباشرة إلى الثاني لانهار الفن بأجمعه…”
فنحن نقول ما نود أن نقوله في الأدب والشعر وننقل الواقع لكن ليس كما هو بل كما ينبغي أن يكون وكما يقول دكتور أحمد زياد محبك في مقاله عن مشكلات الإبداع “الجميل في عالم الفن روعة اللاواقع”.
والشعر في أبسط تعريفاته تحويل الواقعي واليومي إلى متخيل وبالتالي جميل أن ينطوي هذا الحلم وهذا المتخيل على غموض شفيف لطيف وهناك ما يسمى بجمالية الفراغ أو ما يسميه إيسبر “الشاغر” الذي يمارس فيه القارئ لعبة احتمال المعنى وكل هذا يدعوني أميل إلى الغموض الشفيف.
ماهي الأجناس الأدبية التي عكست الواقع غالبا خلال الحرب؟
الحرب الظالمة القاسية على سورية أثرت في نفوس السوريين جميعا وقد أثرت على المبدعين من أدباء وشعراء وكيف لا وهم الفئة الأكثر رهافة إحساس وقد انعكس ذلك في نتاجهم فكما يقول ميخائيل نعيمة في كتابه ومضات “بين القلم والألم صلة كتلك التي بين اللحم والدم” ويقول دي موسيه لا شيء يصيرنا أكبر مما نحن عليه مثل ألم عظيم”.
برأيي كل الأجناس الأدبية من شعر وقصة قصيرة ورواية ومسرحية عكست الحرب على سوريا لكن لكل منها طريقتها الخاصة التي تنسجم مع طبيعتها، فمثلا الرواية والمسرح والقصة يمكن أن يعبر فيها الكاتب بطريقة مباشرة وواقعية تماما لكن في الشعر قد نرى بعض الشعراء يعبرون بأسلوب تقريري مباشر وقد نرى بعضهم الآخر يعبر بطريقة رمزية وإيحائية تتطلبها القصيدة ويتطلبه فن كتابة القصيدة.
كيف ترى رولا عبد الحميد الثقافة الآن وماذا تقولين للمثقف؟
شكرا لهذا السؤال الذي يتيح لي فرصة الحديث عن أوجاعي وأوجاع كل أديب وشاعر مثقف.
في سوريا لدينا الكثير من المثقفين الذين نعتز ونفخر بهم ولدينا الكثير من المبدعين العظماء، وتشكر وزارة الثقافة على فعالياتها الثقافية المختلفة والمتنوعة التي تسهم في تعزيز الثقافة وتحرص على إيصالها الى جميع الناس وتشكر الهيئة العامة السورية للكتاب على ما تنشره من كتب هامة تسهم في إيصال نتاج المثقفين للقراء ولكن أيضا لدينا مشكلة كبيرة وينبغي أن نسلط الضوء عليها وهو غياب الوعي الجمالي الثقافي فنجد الكثير من المتلقين لا يميزون بين الجيد والرديء وانتشر الرديء بشكل خطير بعد إتاحة وسائل التواصل الاجتماعي للكثيرين فرصة الكتابة فصارت هذه الوسائل كجدران يكتب عليها من يشاء ونحن لا يمكننا ان نمنع هؤلاء من الكتابة فالكتابة حق لكل الناس ولكن ليس كل ما يكتب يمكن ان يسمى شعراً أو أدباً وينبغي إذا إيقاظ الوعي الجمالي الذي يستطيع به المتلقي التمييز بين الجيد والرديء وهذه مسؤولية من مسؤوليات المثقف نفسه.
وأيضا لدينا مشكلة طباعة الكتاب فنحن لانكتب لأنفسنا بل نكتب للناس وجميل أن تصل كتبنا إلى من نكتب من أجلهم ، لكننا نواجه مشاكل في النشر وخاصة أنها أصبحت مكلفة ولابد من إيجاد حلول لهذا الموضوع وأقول لأخي المثقف الجليل الكلمة مسؤولية والكلمة كوكب دري وفي البدء كانت الكلمة فكنا، فلنسع معا إلى تعزيز القيم السامية في المجتمع ولنسع معا إلى الارتقاء بالثقافة والإنسان والوطن ولنزرع فسائل المودة فنحن أحوج ما نكون إلى المودة والحب والتعاضد والتكاتف في هذه الظروف القاسية في ظل الحرب الظالمة على سورية.
أشكرك جزيلاً الأديبة رولا عبد الحميد ودمتم ودام الوطن بخير ودام الإبداع
(( تابعنا على الفيسبوك – تابعنا على تلغرام – تابعنا على انستغرام – تابعنا على تويتر ))