خاص هوى الشام من نبوغ محمد أسعد | بعد مسيرة ثلاثة وأربعين عامًا، أمضتها في التعليم والتوجيه التربوي في مدارس دمشق وغيرها، تلتقي هوى الشام الأديبة المربية نبيلة محمود يحيى لتحدثنا عن التعليم أقدس المهن وأهمها لأنها عملية بناء للإنسان، فكريًا وعقليًا واجتماعيًا ونفسيًا.
العالم والطبيب والمهني والمهندس والمبدع بكل المجالات، كانوا في مدارسنا، وتخرجوا بفضل معلمينا…فلا يقوم الوطن ويزدهر ويُبنى ويتطور ويعلو بنيانه إلا بالعلم، الذي يعد الركيزة الأولى لبناء أية حضارة أو أمة.
أمضت المربية نبيلة يحيى عمرها في البحث والاطلاع وتثقيف نفسها في اللغة العربية الفصحى، وكان القرآن الكريم دليلًا لها، ووسيلة في تقوية لغتها العربية، بالإضافة إلى المراجع والكتب من أجل إيصال المعلومة الدقيقة والصحيحة للطلاب بطريقة سلسة وسهلة ومحببة ومفهومة بآن معًا، مما قادها إلى تأليف كتاب لسان الضاد، الذي يبحث في النحو والإملاء والبلاغة، والذي سيتم توقيعه قريبًا.
وفيما يلي الحوار الكامل مع الأديبة المربية نبيلة يحيى ..
برأيك، ما سبب تراجع الاهتمام باللغة العربية الفصحى؟
هناك أسباب عديدة أدت إلى ضعف اللغة العربية، وتراجع المتحدثين بها منها:
_عدم وجود عدد كبير من الكوادر المؤهلة جيدًا باللغة نفسها في مدارسنا، وفاقد الشيء لا يعطيه، وعدم الإلمام بالمناهج الحديثة وطريقة إيصالها للطفل.
_ عدم تنويع الأنشطة واستراتيجيات التعليم الحديثة، مع ندرة تحدث المعلم بالفصحى.
_ عدم تشجيع المعلم للتلاميذ، وافتقاره إلى المهارات المطلوبة التي ترفع من سوية المتعلم، وتنهض به نحو الافضل.
_ الضعف الموجود في قدرات معلمي اللغة العربية، قد ينتقل تلقائيًا إلى الطلبة، وهذا ما لمسناه خلال حضورنا للمعلمات في صفوفهن.
_ دور الأهل، يلعب الأهل دورًا مهمًا في تحسين لغة أبنائهم، فالأسرة هي الدائرة الاجتماعية الأولى للطفل، ومنها ينطلق إلى الحياة، فكلما كانت واعية مثقفة متمرسة باللغة قارئة للكتب، تكون قدوة للأبناء.
_ التحدث ضمن الصف وخارجه بالعامية، التي استشرت بشكل كبير، والهجين اللغوي، وتعلمهم للغات أخرى على حساب لغتهم الأم.
كتابة الرسائل بالعامية، على الواتس والفيس، وشيوع ذلك وإحلاله محل اللغة الفصيحة، وما لهذا من أثار سلبية على الأجيال القادمة.
_ كما سبق أن عدم الإلمام بالقواعد اللغوية ،وعدم وجود ثقافة المطالعة وقراءة الكتب في البيت، الذي هو قدوة الأبناء، وهذا سائد في بيئة الطفل وأهله وجيرانه وأصدقائه.
_التكنولوجية بشكل عام، ساهمت في ضعف اللغة العربية عند ناطقيها، مما سيؤثر سلبًا على مستقبلها ومستقبل أبنائنا .
_ ومن أسباب الضعف في اللغة العربية وتراجعها انتشار مواقع التواصل الحديثة، كالفيس والتويتر والانستغرام وغيرها، والكتابة العامية للرسائل إذ كثرت الأخطاء الإملائية التي يتداولها الناس مما أدى إلى تآلفهم معها، وظنهم بأنها صحيحة، دون مرجعية أساسية يرجعون إليها، مما أدى إلى أخطاء كثيرة في الهمزات المتوسطة والمتطرفة، وهمزات الوصل والقطع، وعدم التمييز بين التاء المربوطة والمبسوطة، وكتابة الياء بدلًا من تاء الفاعل( كنتي، ذهبتي، عملتي) كنتِ، ذهبتِ، عملتِ…
وأخطاء في كتابة التنوين على أنه حرف.
_ وفي بعض الأحيان، قد يكون الضعف مردّه ضعف في السمع(مشكلة خلقية، أو مشكلات نفسية وعقلية)، أو تدني مستوى الذكاء والقدرات لدى البعض، كل ذلك يؤدي إلى ضعف الحصيلة اللغوية والثقافية وصعوبة الفهم لدى المتلقي.
_ وفي أحيان قد يكون التشويش الذي يحصل في الصف نتيجة عدم ضبط المعلم لطلابه سببًا في تراجعهم.
وماذ عن استفحال الهجين اللغوي والمصطلحات الأجنبية بالتعامل الاجتماعي ؟
إن تعلم اللغات الأخرى شيء جميل جدًا، لا بل ضروري، وخاصة في عصر التكنولوجية، ولا بد لكل إنسان عصري من تعلم عدة لغات غير لغته، من أجل مواكبة التطورات الحديثة واستعمال الوسائل المتطورة، وإعداد برامج على الحاسوب، ولضرورة تعامله مع كل ما هو متطور وحديث في المجتمعات الأخرى، والتعامل مع الأجهزة الألكترونية والتقنيات الحديثة، وخاصة إذا اضطر للسفر إلى الخارج وإتمام اختصاصه، ولكن شريطة إتقانه لغته الأم الأساسية، وعدم إهمالها من أجل تعلم الأجنبية، أو إدخال كلمات أجنبية خلال تحدثه للعربية، وغالبًا يحصل هذا الأمر للتفاخر بأنه يتكلم الأجنبية، وهذا يخدم الأعجمية أكثر مما هو يخدم اللغة التي تعتبر من أهم اللغات السامية، التي تكلمها الإنسان على الإطلاق.
هل اللغة العربية الفصحى لا زالت تحافظ على شيء من رونقها؟
اللغة العربية بلغت من الاتساع والانتشار، ما لم تبلغه لغة في العالم كله، فهي لغة القرآن الكريم، غنية بالمفردات والمرادفات، والقواعد، وهي ملكة اللغات وأنقاها وأجملها نطقًا، وقد تغنّى بها الشعراء والأدباء والمفكرون منذ ولادتها، ويتبدى جمالها في ملامح عدة، منها الانسجام الموسيقي، فهي لا تجمع بين ساكنين، أو متحركين متضادين، أو حرفين لا يأتلفان كالضاد والسين، والضاد والدال، والحاء مع الهاء.
والعربية لا تبدأ بساكن، ولا تقف على متحرّك.
كما تمتاز بالدقة والشاعرية وسحر الكلمات وإيجازها..
هل للشعر المحكي أثر في تراجع اللغة العربية؟
برأيي الشعر المحكي له جماليته ومتذوقوه، وأقرب إلى المتلقي من الشعر الفصيح والموزون، وتذوقه يقود إلى تذوق الفصيح، ولا علاقة له بانتشار العامية، فهو قريب من الأذن والقلب، فهو تجربة جميلة ولو كان فيها خرق للقاعدة، فلا علاقة له بتراجع اللغة العربية لأن التراجع ليس فقط بمن يقرؤون المحكي أو يتذوقونه ويتداولونه.
هل لعودة دور الشعر القديم، تأثير على عودة اللغة إلى سابق عهدها؟
الشعر يعزز الثقافة والمعرفة والتذوق والجمال وتقوية اللغة العربية، وانتشار مبادئ الأخلاق من خلال الأبيات التي تحمل الحكم والمواعظ والصور البيانية، والانسجام الموسيقي في القصائد التي يحفظها الطالب خلال مسيرته التعليمية.
وخير مثال على ذلك أننا مازلنا نحفظ قصائد كثيرة من أيام الثانوية. فيها القيم والفائدة.
ماذا تخبرينا عن دورك في المنتديات الأدبية؟
أشارك وأحضر معظم الأمسيات الشعرية والندوات المفيدة، كما أنشر أبحاث اللغة العربية التي أعدّها، والتي كانت حصيلة عملي التّعليميّ على مدى السّنوات الطّويلة، ومنها أنشر الفائدة للجميع، وأحث على قراءة منشوراتي، عسى أن تكون بها بعض الفائدة والمتعة، وأذكّر بقواعد إملائية ونحوية درسوها من قبل حرصًا على عدم اندثارها، وحفاظًا على جمالها، وتنمية الثروة اللغوية لديهم، للحؤول دون استشراء العامية، نظرًا لشيوعها وإحلالها محل اللغة اللغة العربية الفصيحة في زمننا هذا، وما لهذا الشيوع من مخاطر تهدد مستقبلها، والهوية القومية للأجيال القادمة.
هل من نصائح أخرى تقدمها المربية نبيلة يحيى إضافة لما سبق، من أجل الحفاظ على لغتنا من الاندثار؟
إضافة لما قلته سابقًا، وحتى نعيد للعربية ألقها أطلب:
_ نشر شعارات في كل مكان، تحض على أهمية اللغة العربية وضرورة تعلمها.
_ إصدار قوانين تُلزم المحافظة عليها.
_ الاستفادة من وسائل الإعلام واستخدامها في نشر اللغة الفصيحة من خلال برامج تُعَدّ وتُعرَض على التّلفاز.
_ إعداد جميع برامج الأطفال بالفصحى.
_ استخدام الطرق التكنولوجية والاستراتيجيات الحديثة في نشر العربية وتعليمها في المدارس، وعلى جميع وسائل التواصل الاجتماعي.
_ التشجيع على القراءة واقتناء الكتب، وخفض أسعارها في المكتبات، حتى تكون بمتناول الجميع وبأسعار مقبولة.
_ قراءة الكتب بجميع أنواعها وخاصة كتب النحو والبلاغة، والعمل بقول الحديث الشريف:(خيرِ العمل أدومُه وإن قلّ).
دمتم ودامت العربية لا تدانيها لغة أخرى من لغات العالم.
وتحية إلى كل معلم شريف زرع بذرة طيبة في قلوب وعقول أبناء هذا الوطن الحبيب.
(( تابعنا على الفيسبوك – تابعنا على تلغرام – تابعنا على انستغرام – تابعنا على تويتر ))