هوى الشام|ترهقنا الحياة.. يتعبنا الواقع المعاش، وصعوبة العمل وطلبات الأسرة.. وهنا في سوريا، وبالرغم من سنوات الحرب الطويلة، ما زالت توجد بعض الأماكن التي تنسينا هذه المتاعب، ومنها الحمام الدمشقي العريق.
“نعيماً يا عريس، حمام الهنا”.. مقتبسات تأخُذك إلى أروقة الشام القديمة ليطفو شعور بالدفء والانتعاش بعد حمامٍ دمشقي في أحد حماماتها العريقة، يسترجع المرء من خلاله بعضا من نفحات ألف ليلة وليلة.
فما أن تضع قدمك على المدخل الحجري لحمام “الملك الظاهر”، الذي حافظ على تفاصيله التراثية في العاصمة السورية كواحد من أقدم الحمامات العامة في العالم، حتى يعصف بك الزمن الغابر، حيث التفاصيل الدمشقيّة تتجلى بأبهى صورها، ليستقبلك هناك “الناطور” مقدما إليك أدوات الحمام في صالة “البراني” التي تحتفي بك بجواهرها الفنية وبركتها المائية المتوسطة المحاطة بالمصاطب، ولكلِّ مصطبة خزانة تضع ملابسك بداخلها، وأسفلها توجد فتحات في الجدران على شكل طاقات لو
ضع “القباقيب”، وفي السقف قبة يتدلى منها سلسال طويل يحمل الثريا مترجما جمال الهندسة القديمة.
وفي جوٍ من الإلفة يقودك الناطور تجاه الصالة الثانية التي تفوح حجارتها بعبق الماضي، وهي القاعة الأكثر هدوءاً وتسمى “الوسطاني” الذي يتسلل إليه ضوء النهار راسما خطوطه المضيئة عبر قطع زجاجية ملونة وضعت في السقف.
في “الوسطاني”، تتوزع القدور الحجرية المملوءة بالماء الفاتر والأدوات التراثية التي يحملها موظف يسمى (المصوبن أو المكيس)، ومهمته الأساسية استخدام خبراته المتراكمة لفتح مسام جلد الزبائن ليزيل التعب والهم ويساعدهم على الاسترخاء.
يذكر أن دمشق لا تزال تحتضن العديد من الحمامات التاريخية المستمرة في عملها، مع إضافات جديدة إلى أقسام التقليدية، ومن بينها غرفة البخار “الساونا” و”الجاكوزي”.
كاميرا “سبوتنك” صورت صاحب حمام الملك الظاهر بسام الكبب، الذي تعد عائلته من أقدم العائلات الدمشقية التي لا زالت تمتهن هذا العمل منذ 150 عاماً.
وبالحديث عن تاريخ الحمّام قال الكبب: “الملك الظاهر” أحد أقدم الحمامات في العالم التي لاتزال تعمل حتى يومنا هذا، بناه أحمد بن حسن العقيقي عام 985 للميلاد (375 للهجرة)، ومن ثمَّ اشتراه منه الملك السعيد ابن الملك الظاهر بيبرس، ولذلك سمي بحمام الملك الظاهر.
وأشار الكبب إلى أن “حمام السوق” كان من أساس تقاليد الدمشقيين التي لا يستغنون عنها، وهو بالنسبة لهم ذاكرة جماعية، مؤكداً أن “عدد مرتادي هذا المكان بقي كما هو، ولم يختلف عن فترة ما قبل الحرب، فرواده لا زالوا يقصدونه للاستراحة من أعباء الحياة، فيما يزداد الإقبال عليه في فصل الشتاء، نظراً لقلة النشاطات الترفيهية التي يمارسونها، بسبب خصوصية الطقس”.
ماهر، وهو زبون دائم في الملك الظاهر، قال لـ”سبوتنيك”: “عند قدومي إلى هنا أشعر بالراحة النفسيّة والجسديّة .. اعتدت على زيارة هذا المكان منذ طفولتي”.
وبعد حمامٍ من الماء الساخن وكأس من (الشاي الخمير) مع الليمون، كما يسميه الدمشقيون، تنتهي رحلة مرتادي هذا المكان العظيم الذي يبلغ من العمر اليوم نحو 1035 عاماً.
المصدر:سبوتنيك
(( تابعنا على الفيسبوك – تابعنا على تلغرام – تابعنا على انستغرام – تابعنا على تويتر ))