دمشق ـ هوى الشام من رامه الشويكي
كزهرة ندية بدأت موهبتها تكبرمع الزمن وميلها للأدب والشعر بدا واضحاً منذ الصغر فلم تتوقف يوماً عن مطالعة الكتب وقراءة الشعر وبعد مرور مايقارب الأربعين عاماً على قيامها بمشروع حياتها في جمع التراث ومحاولاتها الدائمة لنقل مشاهدات الناس و التعبيرعنهم من خلال قصص قصيرة وكتابات وصلت موهبتها إلى النضج والتكامل لتصبح اليوم الكاتبة والأديبة والباحثة في التراث الساحلي السوري فريال سليمة الشويكي من عرفها عن قرب لمس فيها الطيبة والرقي الكبيرين، كانت السباقة في جمع التراث الساحلي الريفي الذي تشبعت منه في طفولتها وحملت منه الكثير في ذاكرتها ، لم يمنعها الانتقاد والتعب من أن تعمل بجد لتحقيق هدفها بجمع التراث الساحلي فراحت بنشاطها الدائم تتقصى أخبار الناس البسطاء وترصد تفاصيل حياتهم الدافئة بما فيها من عادات وتقاليد إنسانية لتجمع لنا بعرقها كنوز خالدة …

وكما تقول “لوعلمت أنني سأدفع نصف عمري في هذا المجال لتريثت قليلاً لكنني لم أستطع كبح رغبتي بجمع التراث الساحلي لأنني مجبولة بحبه وأشعر أنني خلقت للقيام بهذه المهمة دون غيري ، فأخذت استحضر الماضي بكل مافيه والتقطت من بين يديه الكثير من الدرر التي كانت ستؤول للضياع والإندثار إن لم أسارع لتوثيقها ، فكل كلمة وأغنية ومثل شعبي وحكاية بمثابة زجاجات عطر أشتم منها رائحة الماضي ، وعبق الحبق والمنتورالذي يزهرعلى حواف المنازل الترابية.. ”

ولدت الأديبة فريال سليمة في قرية صغيرة عند مشارف مدينة اللاذقية تدعى “حارة بيت سليمة” أو “العقيبية ” تلقت تعليمها في مدارس متعددة بمدينة اللاذقية وريفها وبعد انتقالها إلى دمشق انتسبت إلى مدرسة التمريض وحصلت منها على شهادة في التمريض والقبالة وبعدها تزوجت من الطبيب محمد زياد الشويكي وسافرت معه إلى السعودية ومنها إلى الولايات المتحدة الأميركية وعند عودتها في 1970 بدأت رحلتها في عالم الأدب والكتابة وجمع التراث في جزء من الوطن يمتد من اسكندرون شمالاً حتى لبنان جنوباً ومن شاطىء البحر حتى حدود البادية غرباً .

في حصيلتها إلى اليوم المؤلفات التالية : الزمن السعيد ، كنوز منسية ، البحر الثالث بجزئيه الأول والثاني مع نوطة موسيقية ، العين والماء والفخار في التراث الساحلي الريفي ، نورس بلا جناحين وهي مجموعة قصصية ، رواية حاملات الأسرار التي لم تنشر حتى الآن بالإضافة إلى كتاباتها في مجلة المرأة العربية ، بناة الأجيال ، مجلة الشرطة وغيرها…

للحديث عن تجربتها الفريدة في جمع التراث الساحلي والكتابة كان لموقع هوى الشام معها هذه الاستضافة :

ـ كيف بدأت مشوار الكتابة وجمع التراث ومن ساندك فيه؟
لطالما كنت مفرطة في القراءة وتلمست معلمتي الشاعرة (هند هارون ) ميلي للأدب والشعر وكانت من شجعني واكتشف موهبتي وتأثرت بها كثيراً وعندما سنحت لي الفرصة بدأت رحلتي في جمع التراث وتنقلت بين قرية وأخرى لتوثيق المعلومات عن التراث الساحلي بعاداته وأغنياته وأمثاله الشعبية وحكاياته المتوارثة والتعرف عليها عن طريق رواته من كبار السن والناس الريفين البسطاء الذين غالباً ما كانوا يتذمرون من زيارتنا لهم مراراً وتكراراً لكن رغم الصعوبات والظروف المناخية الصعبة التي غالباً ما كانت تسبب لي البرد والمرض كنت التقي مئات الناس لأجمع المعلومات من مصادر عديدة . وفي إجابة عن سؤالك : زوجي هو من ساندني و شجعني على السعي لتحقيق هدفي ولطالما تحمل غيابي وسفري إلى الساحل لجمع المعلومات بالإضافة إلى أخي وأسرتي اللذين قدموا لي المساعدة والدعم أثناء جمع المعلومات . وأذكر من الشخصيات التي قدمت لي المساعدة المرحوم الشاعر(حامد حسن) الذي زودني بالمعلومات لكتابي ( الزمن السعيد) و(كنوز منسية) .

فريال سليمة الشويكيـ مالذي يدفعك للكتابة ؟
مايدفعني للكتابة هو شعوري أن علي القيام بمهمة إنسانية ووطنية في جمع التراث والحفاظ على الهوية ويجب أن أنجزها قبل أن يأتي جيل جديد لايعرف عنها شيئاً فهناك صور من حياة أبناء بلدنا يجب أن توثق لنفخر بثقافتنا ونترك لنا بصمة في التاريخ فلسنا مجرد عابرين مع الزمن ، ولكل إنسان في الحياة مهمة واعتبر هذه هي مهمتي ربما لأنها تعكس صورة أهلي وتذكرني بأغانيهم وحكاياتهم فأشعر أنني لم أترك الساحل موطن الجمال بل حملته إلى دمشق التاريخ إضافة إلى ميلي لكتابة القصص الأدبية .

ـ مالذي ألهمك لكتابة مجموعتك القصصية؟ وهل استمدتها من الواقع أم من الخيال؟
كتابة القصص من قلب الواقع مع بعض الرتوش الأدبية أما كتابات الخيال فمختلفة وسابقة لزمانها وأحاول دوماً القبض على بعض الوريقات من ماضي الأجداد وإعادة تشكيلها لكي يبقى التواصل الثقافي قائماً.

ـ كيف أثرالخليط الذي تعيشينه بين جذورك الساحلية وأسرتك الدمشقية في كتاباتك؟
يجب أن أشكر الله على الهدية التي حصلت عليها من هذا الخليط الجميل فالذهب يحتاج للنحاس كي يغدو على شكله المطلوب والعكس صحيح. وحاولت دوماً أن استقي كتاباتي من جذوري وأن أضيف عليها ما اكتسبته من أسرتي الدمشقية العريقة فالتنوع يغني المادة المكتوبة دوماً ولطالما شجعت صديقاتي الدمشقيات لتقمن بجمع التراث الدمشقي منبع الأصالة على غرار التراث الساحلي أيضاً وهنا أتذكرمقولة :
” العلم صيد و القلم قيد ” فما نسجله بالقلم يحفظه الزمن وكأننا قيدنا المعلومة بقيد.

ـ ما أقرب مؤلفاتك إلى قلبك؟
كل سطر كتبته وأكتبه أشعر أنه ينبع من ذاتي ويحدد دقائق عمري وثوانيها وكلفني الكثير من المشقة والمال ومقارعة البعض لذا لا أدري أهو الزمن الذي صرفته لهذا الأمر أقرب إلى قلبي أم مؤلفاتي ..

ـ بمن تأثرت من الأدباء وكيف انعكس ذلك في كتاباتك؟
الأدب يشبهني ويشبه مشاعري كالأخوات برونتي و المنفلوطي وديستوفسكي ومارغرت ميتشل والكاتب المدهش ايبتون سنكليرالذي كتب رواية الغاب إضافة لكاتبات أميركا الجنوبية فتأثرت بكتابات هؤلاء بنواحي عدة: نوعية الكتابة ، مجرى الأحداث ،الموضوع ، اللغة وحسن الوصف . لكل واحد من هؤلاء الأعمدة المهمة في الكتابة انعكاسات على القارىء ويستقي منها الكاتب بعض الأفكار والقراءة تمرين مهم للكاتب وكما قيل “عليك أن تقرأ مئة رواية حتى تتمكن من كتابة رواية ” ولا شك انعكس تأثري بهؤلاء في كتاباتي بلمحة خفية يكتشفها القارىء .

ـ ماذا تعني لك القيم التالية : الحب ـ الوطن ـ الحرب ؟
الحب : لا يوازيه إلا الحب وأنا من أسرة الحب وأسرتي بستان حب وأتمنى أن يسود الحب بين أبناء الوطن .
الوطن: أهم من الحب ومن لا وطن له كمن فقد حبيبته واسمه وتاريخه وصور أجداده وبات في العراء
ينادي: إلهي هبني وطناً أحبه ويزهرحبي في أرضه ليكون لي ثوباً ومأمناً لا يشاركني فيه سوى أسماء أجدادي وصور أولادي ، أزود عنه بروحي لأنه يعادلها وطن لأبنائه وليس للغرباء.
الحرب : حتى اللحظة أحاول تكذيب نفسي وأردد في داخلي لا يمكن أن تكون سوريتي الغالية بقعة الأرض الخيرة بأناسها الذين أحبهم هي من أصابها داء يسمى الحرب .
مثلما تتغير الفصول وتحمل معها مشقات الطقس ولطفه وسحره أيضاً لي أمل بعودة سوريتي إلى صورتها السابقة ترحب بأبنائها وهم يهرعون لعناقها كطفل مشتاق لأمه وقد كتبت عشرات القصائد الشعبية الحزينة التي تصف ما مرت به سورية من أحداث مأساوية .

ـ كيف أثرت الأزمة التي تعيشها سورية على الحركة الأدبية برأيك؟
الحركة الأدبية تسير مع موجة التغييرات كالأمواج علها تصل إلى نتيجة فأمواج البحر تضطرب باضطرابه وتهدأ عندما يسوده الهدوء ومن حمل قلمه وكتب ، تراه يكتب عن حاله قبل أن يكتب عن الأزمة وتأثر الناس بها . فمن لا يتأثر لا يملك مفردات البوح والشكوى وكل من يكتب لابد وأن تتجلى له عظمة هذا البلد .
إنها بلدنا حق علينا أن نحميها ونعتني بها ونخفف عنها ما أصابها .

ـ ما أهمية الصالونات الثقافية برأيك؟
اعتبرالصالونات الأدبية مدارس مجانية عالية المستوى يواصل فيها الإنسان رحلته مع التعلم والثقافة ويتخرج منها حاملاً إجازات عدة في نواح شتى إضافة إلى تعرفه على أناس من كل طيف يحملون آراء متباينة .

ـ هل تؤيدين النشر الالكتروني للكتب أم تفضلين الورقي منها؟
أفضَل الطباعة الورقية لأني ألفتها واعتدت عليها وبصراحة لا أستطيع استبدال القلم باستعمال جهاز الكمبيوتر، لكنني في نفس الوقت لاأنكر قيمة النشر الالكتروني وفائدته لمن يستطيع مواكبة التطور واستعمال الآلة.

ـ ماهي مشاريعك المستقبلية ؟
أسعى قدر المستطاع لدى وزارة الثقافة لطباعة ثلاث كتب جاهزة للنشرمنها : “نرجس البسليس” و”تراث وأحداث ” فالفرص قليلة الآن وتتماشى مع الميزانية المتوفرة حالياً .حيث قيل “لا يحق للكاتب نشر أكثر من مؤلف في العام الواحد ” وهذا يصيبني بالأسى على جهدي المجمد راجية ً أن يكون الحظ إلى جانبي لنشرها قريباً.

ـ هل تعتقدين أنك حققت أحلامك في جمع التراث والكتابة الأدبية ؟ أم جزءاً منها؟
على صعيد جمع كم رائع من التراث أشعر بالرضا مع أنني لا أكف عن جمع المزيد والمزيد أما عن تحقيق حلمي في الكتابة وأن يغدو ما جمعته بين أيدي القراء فهذا يعتمد على إتمام نشر مالدي ولا اعتبر ذلك حلماً بل حق من حقوقي ككاتبة فما معنى أن تبقى الكتب ضمن الغلاف ولا أحد يعرف محتواها فكتبي الأربعة المنشورة لا تحوي كل شيء….
وفي النهاية أشكر الأخت رامه وأتمنى التوفيق لموقع هوى الشام ….