خاص هوى الشام من رامه بشار الشويكي
أصبح من المعتاد في يومنا هذا أن نرى طفلاً يمسك هاتفه المحمول ويلعب به لساعات، وآخر يترك الكتب والقصص ويسارع إلى جهاز التصفح اللوحي خاصته لينسى الوقت مع الألعاب الإلكترونية التي يمارسها، والمراهقة التي تنعزل عن الجميع في غرفتها والسماعات في أذنيها، ولاتدري مايجري حولها وهي غارقة في عالم افتراضي مزيف لا يمت للواقع بصلة، والأطفال الذين يملئون مراكز الكمبيوترالتي توفر ألعاب البلي ستيشن، أو الإكس بوكس وغيرها.

هذه المشاهدات ومثيلاتها أصبحت تتكرر في مجتمعنا مع التطور المتسارع للتكنولوجيا، واستسهال وجودها بيد الأطفال والمراهقين دون أن يعي كثير من الأهل مسؤولياتهم التربوية تجاه أطفالهم بتحديد الوقت الخاص لاستخدامها، أو مراقبة مايتصفحه أو يراه أو يسمعه هؤلاء.

هوى الشام التقت عدد من الأمهات لتتعرف على تجاربهم مع أولادهم بهذا الخصوص، “حنين خليفة” أم لطفلين في الخامسة، والتاسعة تقول:سأتحدث عن تجربتي مع إبني “مجد” الذي ولد في “السعودية” وعلى مدار ثلاث سنوات كان اهتمامه الوحيد محتوى الهاتف المحمول من الألعاب الإلكترونية، وفي هذه الفترة تنقلنا كثيراً ولم أستطع حينها أو أوفر له بديل، لكن عندما بلغ الخامسة من العمر شعرت أنه يدمن على اللعب، وقررت إلغائها من حياته، كان الأمر غاية في الصعوبة، بدأت معه بالتدريج في الصف الأول بدأت بالتخطيط، وأصبح الشيء الوحيد المسموح هو التلفاز، بساعات محددة، وعندها لاحظت التغيير وبدأ تركيزه يزداد، وأصبح لديه اهتمامات أخرى ككرة القدم، والموسيقا، وفي الوقت الحالي وهو اليوم في التاسع من العمر لا أسمح بالهاتف المحمول إلا يومي الخميس، والجمعة من الأسبوع حتى يتثنى له الإهتمام بدروسه، وممارسة ألعاب “الإكس بوكس” و”البلي ستيشن” عندما يذهب برفقة أصدقائه إلى مراكز اللعب بشكل قليل جداً، ولأن كل الأولاد حوله يملكون هاتفهم المحمول الخاص لا أستطيع إلغائه نهائياً بسبب الجو العام المحيط به حتى لايشعر بالنقص، والحرمان لكن كما قلت في أيام وأوقات محددة، واليوم ألمس الفرق بتحسنه في المدرسة، وأصبح مقتنع من ضرر الإكثار من هذه الألعاب، وأتبع نفس الأسلوب مع أخته.

من جهتها “لينا العمري” أم لثلاثة أولاد تتراوح أعمارهم بين التاسعة و الإثنين وعشرين عاماً تقول: غزت الألعاب الإلكترونية كل منزل، وأصبح جميع الأولاد يمارسونها لتوفر الهواتف المحمولة، وأجهزة التصفح اللوحي بأنواعها، والتي يأخذونها أينما ذهبوا، لكن أضرارها الجسدية والنفسية كثيرة مثل التوتر والعصبية، وآلام البصر، والصداع، وعدم التركيز، وضعف التواصل الإجتماعي، وآلام الرقبة، والأربطة بسبب الجلوس غير الصحي عند استخدامها، وأخطرها الموت الذي تدفع إليه بعض المراهقين كما نسمع مؤخراً في جميع أنحاء العالم ولاسيما أميركا وشرق آسيا ومؤخراً بحالات نادر في سورية و عدد من البلدان العربية من خلال ألعاب خطيرة مثل “مريم” ، “الحوت الازرق”، مما يتوجب علينا كأهل مراقبة أطفالنا وتشجيعهم لممارسة النشاطات المختلفة والمحافظة على التواصل الدائم معهم، ومع المجتمع من حولهم ويمكن أن نجنبهم هذه الأصرار من خلال ممارستهم الرياضة، قراءة القصص، والحديث معهم وعن مشاكلهم، وأحلامهم، وإشراكهم بعض الأعمال المنزلية البسيطة، وممارسة الفنون بأنواعها، إلى جانب مراقبتهم، ومساعدتهم على تنظيم الوقت.

للتعرف أكثر على خطورة هذه الألعاب وكيفية الحد من أضرارها “هوى الشام” التقت الإستشارية التربوية “رندة علي ديب” والتي تقول: التطور التكنولوجي وإضافة التأثيرات البصرية، والرسم ثلاثي الأبعاد، والبرامج المتطورة، كل ذلك جعل هذه الألعاب الإلكترونية الخيالية تشبه الواقع وتبث القسوة والعنف بشكل غير مباشر من خلال سيناريو تنافسي للغاية يؤدي إلى تغذية الشعور بالفوز زالإنجاز، أو الخسارة والإحباط، فهي عبارة عن شحنات ذات تنبيه سمعي بصري شديد تجعل الدماغ عند متابعتها لايميز بين هذه المثيرات والشحنا ت المرسلة من اللعبة إلى الجهاز العصبي، مما يؤدي إلى ذهن مشوش أفكاره غير مرتبة وفوضوية، والأهم من ذلك الصور التي يتركها هذا النوع من الألعاب لترسخ بالذاكرة بعد ارتباطها بمشاعر الفوز والخسارة والغضب والتنافس والحزن، وتدفع كثير منها اللاعب لإعتيادها باستمرارها لمدة محددة بعضها تقوم على اللعب لمدة خمسين يوم متواصلة، وهو يقوم بها دون أي جهد بدني بشكل يومي لمدة كافية لثبات السلوك، أو العادة، ليصبح مدمن عليها تدريجياً يسعى المراهق أو الطفل إلى الإنفراد بجهازه الإلكتروني الخاص ليتحول ذلك لعزلة اجتماعية، وينفذ شروط اللعبة وأوامرها الممكنة ظاهرياً معتمدة التحدي والتنافس وزرع فكرة مواجهته لمخاوفه فيبدأ بإيذاء نفسه تدريجياً حتى الإنتحار.

وفيما يتعلق بدور الأهل تكمل قائلة: الشركات المنتجة لهذه الألعاب تجذب إليها فئة الأطفال والمراهقين بأسلوب نفسي خطير من خلال المؤثرا ت السمعية والبصرية كالإضاءة ، والتنقل بين الصور وترابطها مع نوع الموسيقى ودرجة تواترها، وهنا يأتي دور الأهل لحماية أبنائهم من الأطفال والمراهقين من خلال ملء فراغ ابنهم منذ الصغر بنشاط رياضي محبب لاسيما أن المراهق يحاول البحث عن القدوة والإنتماء ليصل إلى النضج الإنفعالي الكافي، والنشاط الرياضي المستمر يعمل على خلق الدافعية للشخص من خلال الشعور بالإنجازو تقدير الذات وتعزيز الثقة بالنفس، فالسباقات والمباريات ووجود الشخص ضمن فريق يساعد على تكوين علاقات اجتماعية من خلال تشاركية حب الرياضة، وأصر على ضرورة تدليل الأهل لأبنائهم بمزيد من الحكمة وليس من الضروري تلبية كل طلباته لدفعه لوضع أهداف مستقبلية يسعى لتحقيقها، إلى جانب وجود توازن بجوانب الحياة عامةً، ومتابعته وكيف يمضي أوقاته باهتمام وإيجابية كما يتابعه الأهل في تحصيله العلمي والدراسي، ومنحة حرية شخصية بشروط ومساحة واسعة بحدود، كإرساله برحلة مع أصدقائه بإشراف راشدين على سبيل المثال، وأتوجه كمختصة إلى الدائرة الأولى في حياة كل منا وهي البيت متسائلة عن طبيعة العلاقة بين الوالدين أولاً فيما بينهما من جهة وبينهم وبين أبنائهم من جهة أخرى لأن المراهق يهرب من الخلافات ليختلي بجهازه المحمول، وأطرح هنا سؤالاً هل العلاقة في البيت مبنية على التفاهم والحوار؟

في النتيجة يمكننا القول أن الأجهزة الإلكترونية أصبحت تشكل خطر الموت في حياة الأطفال والمراهقين ، الأمر الذي يجب التنبه له بأن يأخذ الأهل بيد أولادهم بتوجيههم الدائم، وأن يحرصوا على بناء علاقة إيجابية معهم في مراحلهم العمرية كافة.