هوى الشام
كيف تتدخل إسرائيل وتؤثر في مضامين الكتب الدراسية في الدول العربية؟ والأهم هل تنجح دائماً؟ سيكون الجواب سلبياً مع دولة مثل سوريا لا تعترف بشرعية الكيان الصهيوني أساساً.
اليوم، مناهج التعليم في دمشق محطّ اهتمام وقلق في تل أبيب، إلى الحد الذي دفع أحد المعاهد الإسرائيلية إلى إعداد دراسة مطوّلة عنها نُقلت إلى وسائل الإعلام للمناقشة والتعبير عن الغضب: «دمشق لا تزال متمسكة بثوابتها وبالعداء لنا».
صحيح أنّ في إسرائيل ــ كحال دول عدّة في العالم ــ معاهد أبحاث في مجالات مختلفة، ولكن يبدو أن أحدها لافت للاهتمام أكثر من غيره. ليس فقط بسبب الحقل الذي يبحث فيه، وإنما لأن التوصيات التي يقدّمها تؤثر في قرارات المنظمات الدولية التي تُعنى بالثقافة والتعليم على وجه الخصوص.
المعهد الذي يجري الحديث عنه، يقع في القدس المحتلة ويدعى «معهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي» The Institute for Monitoring Peace and Cultural Tolerance in School Education (IMPACT-SE) والمعروف سابقاً بـ«مركز رصد تأثير السلام» CMIP. يأتي في صفحته التعريفية أنه «منظمة إسرائيلية غير ربحية تراقب محتوى الكتب المدرسية، وتفحص المناهج الدراسية في جميع أنحاء العالم، ولا سيما في مناطق الشرق الأوسط، لتحديد ما إذا كانت المادة المُدرّسة تتوافق مع المعايير الدولية، وما إذا كان يتم التدريس على أساس الاعتراف بالآخر وقبوله».
ولفهم حجم تأثير هذا المعهد على قرارات المنظمات الدولية، يمكن العودة إلى تقرير لصحيفة «جيروزاليم بوست» في تاريخ الرابع من نيسان/ أبريل الماضي، يتحدّث عن قطع الاتحاد الأوروبي المساعدات عن السلطة الفلسطينية وطلبه مراجعة المناهج الدراسية، بسبب أن مضامين الأخيرة لا تلتزم توصيات الاتحاد الأوروبي واليونسكو.
هذه إذاً عيّنة بسيطة… أمّا جديد ما يلاحقه المعهد، فهو دراسة جديدة تلقي الضوء على جوانب مختلفة في المناهج الدراسية في سوريا وانعكاسات الحرب التي اندلعت قبل سبع سنوات فيها. وقد أعدّت صحيفة «يديعوت أحرونوت» تقريراً حول الدراسة، اعتبرت فيه أن الطلاب السوريين يُدرّسون «مضامين تحمل عداءً للسامية، وتزييفاً للتاريخ، وعداءً لإيران. في مقابل، اعتبار روسيا حليفاً دائماً؛ حيث يدرس الطلاب اللغة الروسية».
ادعاؤها هذا يأتي على خلفية أن سوريا لا تعترف بشرعية إسرائيل كحال مصر والأردن مثلاً، إذ ترد تسميتها في المناهج السورية «تحت اسم الكيان الصهيوني، وفلسطين هي دولة فلسطين، أو فلسطين المحتلة، أمّا بالنسبة إلى الخرائط الجغرافية فما زالت تسمى المنطقة العربية الممتدة من بلاد الشام شرقاً إلى المغرب العربي غرباً بـالوطن العربي، وتعرّف الأقطار العربية بالأقاليم السبعة؛ وبالنسبة إلى الجولان فهي الهضبة السورية التي احتلتها إسرائيل من أجل تزييف تاريخها وسرقة آثارها العربية.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الصهاينة هدفوا إلى تدمير البيئة الطبيعية للجولان واستغلال إمكانات المنطقة الاقتصادية والسياحية». علماً بأن جولة سريعة في الجولان المحتل قد يقوم بها كاتب التقرير (دانيال سلمة) بإمكانها أن تكشف أمامه صحّة ما يدرسه السوريون عن هضبتهم التي جيّرتها إسرائيل لاستخدامات سياحية نظراً لبيئتها الجغرافية وطبيعتها، فضلاً عن احتلالها لأسباب توسعية وسياسية.
الدراسة، التي أعدّها الباحثان، إلداد باردو ومايا يعكوبي، تتناول الكتب المدرسية الرسمية السورية لصفوف المرحلة الابتدائية حتى الثانوية العامة للعام الدراسي 2017-2018، والتي تُدرّس في المناطق التي حُررت أخيراً من أيدي المجموعات المسلحة. وقد اعتبرت هذه الدراسة أن «واحدة من أخطر الاتهامات ضد إسرائيل» والتي تتكرر مرات عدّة في الكتب المدرسية المختلفة في المدارس، هي «فرض هوية الكيان الصهيوني على سكان الجولان المحتل بما في ذلك تهويد المنطقة. كذلك فرض الصهاينة اللغة العبرية على السكان العرب السوريين، وتخطيطهم لاستبدال منهاج التعليم السوري بآخر للكيان الصهيوني الإرهابي ــ من أجل ترك المواطنين العرب السوريين في الظلام».
أمّا بالنسبة إلى النقطة التي أثارت الاهتمام الإسرائيلي، فهي أن السوريين يدرسون اللغة الروسية (!)، ووفقاً للتقرير، فإنه «في عام 2014 تم إدخال اللغة الروسية على منهاج التعليم الإلزامي في المدارس في سوريا، وهي تُعرض (أي روسيا) كقوة علمية وتكنولوجية؛ حيث يتوسع معدّو البرنامج الدراسي في الشخصيات الروسية المؤثرة مثل يوري غاغارين (أول رائد فضاء روسي)».
من ناحية أخرى، فإن المنهاج «يُظهر بعض العداء لإيران (فقط لأنه اعتبر الأهواز والجزر الثلاث أراضي عربية. ولأن اللغة الفارسية لا تُدرّس كحال الروسية)». كذلك فهو من وجهة النظر الإسرائيلية، «معادٍ للسامية» لكونه «يتجاهل المحرقة ضد اليهود».
وتزعم الدراسة الإسرائيلية أن المنهاج السوري «يعكس صورة مثيرة للقلق، حيث يتعرض الطلاب السوريون لمحتوى معاد للسامية، ومشجع على الجهاد، والأعمال الإرهابية والعنف ضد إسرائيل، والكراهية والعداء تجاه الغرب». وقد فسّرت الدراسة إبراز مبادئ القومية العربية والتمسك بالهوية السورية في المنهاج على أنه «انعكاس لرفض للهيمنة الإيرانية، والثقافة السياسية الخمينية، وباستثناء العداء المشترك ضد إسرائيل والغرب، والسبب هو حقيقة أن النظام السوري علماني بخلاف نظيره الإيراني».
وخلال مقابلة معه داخل استديو «واينت» التابع للصحيفة، اعتبر مدير «IMPACT-SE»، ماركوس شِف، أنه «بالرغم من أن السوريين يرون يومياً الدمار الناجم عن الحرب في محيطهم، لا يوجد أي ذكر عن هذه الحرب وآثارها… لكن بالنسبة إلى المبادئ والقيم التي تتبعها الدول السورية تجاه إسرائيل فهي لن تتغير مطلقاً، فبنظر الجمهورية السورية إسرائيل هي كيان إرهابي ولذلك فإن كل الوسائل المتاحة لمقاومتها ومحاربتها هي وسائل شرعية، ومن ضمنها العمليات الاستشهادية. وقد نال العداء لإسرائيل حصة كبيرة في الكُتب الخاصة بالتاريخ ضمن المنهاج الدراسي».
مع ذلك، من يدقق في الدراسة المكونة من 104 صفحات يكتشف أن الغضب الإسرائيلي نابع من كون هذه المناهج، بخلاف المناهج المصرية مثلاً، تعطي مكانة مركزية للولاء للوطن والأرض، والهوية العربية السورية ومقاومة الاحتلال والاستعمار، وأنها تعلّم الطلاب أن مقاومة الاحتلال هو أساساً حق يعترف فيه العالم كله.
صحيفة الأخبار