هوى الشام
لم يكن الخلاف الديني عائقاً أمام علا وزياد، حين كانت البداية عام 2011 لم تفكر دقات القلب وقتها بشرعية هذا الحب مجتمعياً وقانونياً في سوريا، وعلى عكس كل القصص التي نسمعها اليوم عن أحبّة انفصلوا بسبب العائق الديني، كلّل الثنائي قصة حبهما منذ عام بزواج مدني خارج البلاد وسط مباركة من عائلتي الحبيبين.
وهنا بدأت الحكاية كيف ستكون المباركة، هل هي بسم الله الرحمن الرحيم، أم باسم الآب والابن والروح القدس؟ وأي المحاكم السورية ستلبي نداء الحب دون النظر للدين؟ وبغض النظر عن كل ما ذكر ماذا عن أطفالهم في المستقبل القريب؟
يحضّر مجموعة من الناشطين السوريين مشروع قانون للزواج المدني في سورية، سيحاولون طرحه تحت قبة مجلس الشعب.
غابي طعمة أحد الناشطين بالمشروع عن مشروع القانون قائلاً لإذاعة شام أف أم :”إن هذه المبادرة تختلف عن المبادرات الأخرى بتنظيمها واستنادها إلى مواد القانون السوري، والاتفاقيات التي وقعت عليها الحكومة السورية “حقوق الطفل، اتفاقية سيداو لحقوق المرأة حقوق الإنسان، إضافة إلى بنود القانون السوري التي تشجع على إزالة العقبات أمام تشكيل الأسرة”.
ويشارك في إعداد هذا المشروع مجموعة من الحقوقيين والناشطين المطلعين على تجارب وقوانين البلدان الأخرى، وقد أنهوا المسودة الأولى لمشروع القانون.
وأضاف طعمة: “استفدنا من البنود الموجودة في قانون الأحوال الشخصية السوري، وهو الآن بين أيدي قضاة مخضرمين يضعون ملاحظاتهم واستفساراتهم التي ستخضع للنقاش والتعديل أيضاً”.
توقعات بالرفض
مثل كل المبادرات الشبابية اعتمد الناشطون على صفحات الفيسبوك وأسسوا صفحة خاصة بالمبادرة، قدموا من خلالها استبيان رأي لمعرفة نسبة المؤيدين للفكرة، وبلغت نسبة المؤيدين للفكرة حسب استبيانهم 63 بالمئة ، وترافق هذا الاستبيان مع شعارات وصور منها “حاج تقول المجتمع.. فوت وقول إنت مع الزواج المدني”.
و يتوقع القائمون على المبادرة الرفض بالبداية، لأن المجتمع لا يملك المعلومات الكافية عن الزواج المدني، وعرضه حسب طعمة تحت قبة مجلس الشعب يحرّض الناس على البحث عن الموضوع وبالتالي من الممكن للأشخاص الذين لديهم جهل بالموضوع أن تتوضح لديهم الصورة أكثر، ولذلك ليس بالضرورة أن يمر المشروع من المرة الأولى، منوهاً إلى أن مشروع قانون الزواج المدني الذي يجري تحضيره يتعلق بزواج رجل وامرأة.
وفي رد على المدة الزمنية للوصول إلى مناقشته في المجلس أشار طعمة إلى أن الناشطين لا يستطيعون التحكم في الوقت لأنهم يعتمدون على أشخاص متطوعين لديهم أعمالهم وانشغالاتهم، وهم وحالياً عاكفون على التدقيق القانوني للمشروع.
وعن الأشخاص الداعمين أكد طعمة أنه يوجد صحفيون وحقوقيون داعمون للمشروع، كما يوجد رجال دين مؤيدون للزواج المدني، ولكن بالعموم لا يستطيعون الخروج عن رأي المؤسسة الدينية، مشيراً إلى أن الناشطين يعملون بدون إمكانيات كبيرة، وقريباً سيتم التواصل مع الفنانين لمعرفة آرائهم.
عوائق قانونية مفترضة
من جهته أشار نقيب المحامين في سورية نزار سكيف أنه وفي حال الموافقة على مشروع القانون، سيكون هناك تنازع بين قانون الأحوال الشخصية السوري والقانون المدني، قائلاً: “أعتقد جازماً أن عقود الزواج كلها تخضع للمحاكم الشرعية السورية، لكن عندما سيوجد نص تشريعي لابد أن يكون هناك توافق بمعنى أن يخصع قانون الأحوال الشخصية للتعديل”، لكن السؤال حسب سكيف هل يمكن أن يعدّل؟ ويعتقد سكيف بوجود عوائق، لأن المرجعية في قانون الأحوال الشخصية للمذهب وللشريعة والأمر يحتاج إلى كثير من البحث والتروي، مشيراً إلى أن الزواج هو عقد كأي عقد يخضع للعرض والقبول، ويشترط لإتمامه أن يكون هناك تبادل ألفاظ، وتحديد للمهر، مبيناً أن الأمور الشكلية ليست إشكالية، والإشكالية الوحيدة هي التعارض مع قانون الأحوال الشخصية.
وفي رد على استفسار عن حالات الزواج المدني للشباب السوري التي حصلت خارج البلاد، فهل يسجل الأطفال في المحاكم السورية قال: “يفترض النسب، ويمكن أن يسجل الأطفال في الخارج فليس هناك أي مانع قانوني، فإذا قلنا أن الزواج فاسد فلمن ننسب الأطفال؟ والمفروض أن يسجل النسب لهؤلاء الأطفال وهذا رأيي، قلت أن هذا الأمر يخضع للكثير من السجال و يجب أن يكون هناك موضوعية في النقاش”.
حرية الاختيار والحب شرطاً
وتحدث الأب مكاريوس قلومة عن موضوع مشروع قانون الزواج المدني، مشيراً إلى أن الكنيسة بالمبدأ وبالمطلق لا تعارض الزواج المدني، من باب الحرية، أي إنسان حر باختيار طريق حياته التي يريد أن يسلكها، لكن الكنيسة تنصح أبناءها أن يكون الزواج وفق تعاليمها، لأن الحياة الزوجية تتطلب دراسة ما قبل الزواج، وهذا ما تفعله الكنيسة بتحضير الشباب بمرحلة قبل الخطوبة وأثناء الخطوبة لحياة مدنية اجتماعية قائمة على الحب الذي هو أساس الزواج”.
وأضاف: “يجب علينا أن نسأل لماذا يتوجه الشباب للزواج المدني؟”، مشيراً إلى الخوف من الفكر الديني السائد وخاصة بالمجتمع الديني الشرقي، مبرراً للشباب اللجوء للزواج المدني بقوله: “الجو صار مخيفاً” على حد تعبيره.
وأضاف: “لكن من وجهة نظر كنسية، نفضل أن يكون الزواج كنسياً”.
وتساءل الأب مكاريوس: “كيف يقول بعض رجال الدين عن الزواج المدني زنا؟ فهل نستطيع أن نعتبر مليار ونصف أوروبي زناة؟ وكيف يعتبرون زناة وبعدها يتناولون في الكنيسة؟ الغرض من هذا الكلام تضخيم الموضوع، والصحيح هو ترك الشباب يختار”.
ونوه إلى أن هذه الخطوة ستأخذ وقتها، وسيكون هناك نزاعات وصراعات، لكن المطلوب من القائمين على الفكرة أن يدافعوا عنها كي لا تنضمر.
ونظراً لتعذر التواصل مع المؤسسة الدينية الإسلامية اعتمد التحقيق على تصريح سابق في عام 2016 للقاضي الشرعي الأول بدمشق محمود المعراوي لصحيفة الوطن السورية، حول موضوع الزواج المدني، ذكر فيه أن المجتمع يجهل مدلوله الحقيقي، فالعقد الذي ينشأ بين طرفين بحضور الشاهدين هو عقد مدني بحضور شاهدين وهو عقد صحيح، أما المتعارف عليه حالياً للعقد المدني هو إيجاب وقبول بغض النظر عن الأحكام الشرعية، وكان بيّن المعراوي أن للزواج المدني مخاطر كبيرة وينتشر في أوروبا بكثرة، وفي حال تزوج اثنان زواجاً مدنياً خارج البلاد لا يسجل الأولاد في المحاكم الشرعية حسب قانون الأحوال الشخصية، مشيراً إلى أن الزواج المدني مخالف لقانون الأحوال الشخصية وحكمه كالزنى لأنه مخالف للأحكام الشرعية.
وفيما يحاول مشروع قانون الزواج المدني أن يشق طريقه بصعوبة نحو قبة البرلمان السوري تبقى المشكلة عالقة في المجتمع السوري بين مؤيد ومتبني لها، وبين مؤيد لها دون الجرأة على التصريح، وبين رافض لها رفضاً قاطعاً بحجة الدين والمجتمع.
شام إف إم – رنيم خلوف – عبير ديبة