هوى الشام | هل فكرت يوماً أن هناك مناطق سياحية ساحرة في سورية بعيداً عن المنتجعات الشهيرة، نعم هناك الكثير مما يمكنك اكتشافه مع مجموعة من البلدات والقرى السورية الصغيرة الأكثر جمالاً في البلاد، والتي ندعوك للتعرف إليها في رحلة ساحرة بعيداً عن صخب المدن.
على ارتفاع 1200 متر عن سطح البحر تقع قرية معلقة محصنة ساحرة تعانق الضباب، تتجسد فيها روعة الطبيعة، تدعو كل من يعشق الجمال والهدوء إلى شد الرحال إليها، إنها حلبكو إحدى قرى مدينة جبلة بمحافظة اللاذقية التي نغوص اليوم في بعض تفاصيلها للتعرف على جمالها عن كثب.
صعوبة وقساوة العيش في حلبكو وتناثر منازلها هنا وهناك يبرز إبداع أهل هذه القرية الذين قهروا التضاريس وطوعوها بقوة إرادتهم، وأسسوا لأنفسهم قرية جبلية في أعالي القمم، بعيداً عن الأراضي المنبسطة.
يمكن لزائر حلبكو أن يضيع بسهولة بين الطرقات الصغيرة المتعرجة، ويعد السير على الأقدام خياراً رائعاً لمحبي اكتشاف المناظر الطبيعية الخلابة أو التحدث مع سكان القرية الذين حافظوا على عاداتهم وتقاليدهم وبساطة الحياة.
جبال عالية وغابات رائعة محاطة بالقرية تماماً من جميع الجوانب الأخرى، ولعل جميع هذه المشاهد الطبيعية الرائعة، إضافة إلى الضباب الذي عادة ما يزين السماء في منظر خلاب أمور تفسر سبب شهرة هذه الوجهة الساحرة بشكل كبير.
ما زال سكان حلبكو يعملون في الزراعة والرعي، محمد عبد اللطيف أحد سكان القرية يروي لمراسلة سانا الشبابية تفاصيل الحياة البسيطة بالقرية، فيقول: “لم أترك القرية أبداً وأعيش فيها منذ ولادتي وحتى الآن، أزرع بعض حاجيات البيت وأقوم برعي الأغنام منذ بزوغ الفجر، حاملاً معي زوادتي “قرص شنكليش وبصل وبندورة وخيار من زراعتي المحلية”، وأبقى حتى غروب الشمس”.
ويضيف: “اعتمد في دخلي على الرعي وبيع الحليب.. الحياة صعبة.. لكن جمال الطبيعة في القرية والهدوء وطيبة أهلها تنسيني همومي ومصاعب الأمور المادية”.
أما الثمانينية هند الحسن والتي تعمل في زراعة الحنطة والتبغ، فتقول: “الدخل محدود.. أؤمن مؤنة الشتاء من تربية المواشي.. الجبنة واللبنة والشنكليش والكشك.. وحتى المكدوس.. اعتدنا على هذه الحياة البسيطة.. بعيداً عن مشاكل المدن وضجيجها”.
وتسترسل هند بالقول: “نحن في القرية ذقنا قساوة الحياة لا وسائل نقل ولا كهرباء يجمع ماء الشتاء في خزان وتنقله النساء على أكتافهن من مكان بعيد.. حتى وسائل النقل عندنا هي الحيوانات “الأبقار والحمير” ننقل عليها حوائجنا من طحين وحطب للطبخ والتدفئة إضافة إلى الماء”.
قرية حلبكو وعلى لسان أحد الباحثين موغلة في القدم، حيث يتوضع ناووس على أعلى قمة جبل يطلق عليه أهل القرية جبل الناغوص، الذي يعود إلى العصر البيزنطي، وتبعد قرية حلبكو عن مدينة اللاذقية 55 كم وعن مدينة جبلة 30 كم وعن مركز الناحية في بيت ياشوط 5 كم، وتشتهر القرية الآن بعدد من الزراعات المتنوعة كالجوز والكرز والتفاح والرمان والتين والتبغ بعد أن كانت تعتمد قديماً على زراعة الحبوب بأنواعها “قمح، شعير، حمص، عدس”.
ويعرف عن القرية بأن غالبية أبنائها حاصلون على شهادات علمية عالية وفيها شخصيات مشهورة من أدباء وشعراء وكتاب ومثقفين، كما يشتهر أهلها بالصفات الكريمة وخاصة الكرم فهي مضرب مثل بذلك.
يوجد في حلبكو مطعم جميل وفندق راق لا يتوقف صيفاً وشتاء ويمكن الاستجمام بها لما تحتوي على جبال عالية ووديان سحيقة وطبيعة رائعة يمكن القيام بمغامرة في هضاب وسفوح هذه الجبال، وتستطيع مشاهدتها والاستمتاع برياضة تسلق الجبال صيفاً، حيث المناخ الرائع والإطلالة على البحر الأبيض المتوسط والعشرات من قرى ومدن الساحل وبحيراته التي تعكس ضوء الشمس نهاراً أو سطوع القمر ليلاً.
وعن معنى اسم حلبكو يقول إبراهيم محمد أحد المعمرين في القرية: “كثرت الروايات عن معاني اسم حلبكو، وتعني البعل الأمير مخصب الأرحام”.
حلبكو من القرى الساحرة التي تتميز بطبيعتها الخلابة، والتي نصح العديد من الأطباء للسكن فيها، نظراً لهوائها النقي العليل وطبيعتها الغناء والتي كانت محطة للعديد من الزوار والسياح في رحلهم فأخذت الرحلات وفرق الاستجمام تضع رحالها فيها.
حلبكو القديمة أو الجميلة كما يحب الأهالي تسميتها ما زالت واضحة المعالم، حيث البيوت الترابية المتشابكة مع بعضها البعض يمكن رؤيتها من جبل شعرة، حيث تظهر لك مجموعة بيوت متناثرة على سفح جبل عال يتجاور مع “جبل الشعرة” أحد أعلى قمم جبال الساحل السوري.
اقرأ أيضا: المشرفة بريف حمص.. تفاصيل داخلية وخارجية
القرية مشهورة بين قرى الساحل بالكرز والتين والجوز وبتبغها البلدي الأطيب والأنظف في كل الساحل السوري، والذي يعتمد في سقايته على مجمعات مائية مبنية من الحجر تجمع فيها مياه الأمطار والثلوج خلال فصل الشتاء وتستخدم صيفا للري.
وختاما يقول أبناء قرية حلبكو: “ما أحلاك يا حياة القرية، وما أطيب العيش في أرجائك، فيك ترتاح النفس، ومهما اشتد تعب الجسد فيك، فإن بضع ساعات رقاد تزيل كل آثاره.
سانا – وداد عمران