طوكيو – هوى الشام
في إحدى العيادات أجلس منتظراً دوري ، فحص عادي، يتواصل دخول المراجعين، حيويتهم توحي بأنهم في الأربعينات، ولكنهم حكماً فوق الستين، أهلاً وسهلاً تفضلوا، تستقبلهم الموظفة بشكل ممتاز وتأخذ منهم المعلومات الضرورية …هدوء تام يكاد لا يسمع صوت إلا من ركن الأطفال، قلما تجد اثنين يتبادلان الحديث… كأنك في تعزية !
تتطفل عجوز بجانبني بصوت لطيف، من أين أنت؟ أجيبها ممازحاً، يا ترى من أين!! طريقة جديدة اتبعها مؤخراً لتجنب الرد على هكذا سؤال.
الأغلبية يقرؤون روايات كالعادة والبعض يتابع الأخبار، صورة من دون صوت، ولكن الكلام يظهر في أسفل الشاشة (وهي إحدى الخدمات المتميزة في جميع القنوات اليابانية حيث يظهر الكلام أو الخبر مكتوباً) …الخبر الرئيسي اليوم من سوريا …يا سلام، مشهد أحد الدواعش وهو يهم بقطع رأس أحد الرهائن ، يشرح المذيع عن صعوبة الوضع هناك وأن هذه “الدولة الاسلامية” أصبحت تستقطب إرهابيين من كل العالم…. «بكير يا شباب»، أتأمل وجوه الحضور المتابعين للخبر الذي يؤكد ما يقرؤوه دائماً عن تلك المنطقة المخيفة (كواي) والمليئة بـ”المسلمين المتطرفين”، وكأني بهم يقولون الحمد لله نحن بعيدون عن ذلك المكان -جيد أني نجحت في تجنب سؤال العجوز التي مازالت تجلس باطمئنان جنبي-.
لم أعد أبذل جهداً في الإجابة عن سؤال أين تقع سوريا، أو شرح ثقافتنا أو”حضارتنا المجيدة وتسامح عقيدتنا”..أصبح كل شيء واضحاً لهم مثل الشمس ….لا بل صرنا مشهورين جداً، الكل يخبرني بأنه شاهد بلدي في الأخبار اليوم ….يا فرحتي تستقبلني الطبيبة الشابة بابتسامة وترتاح عندما تعرف أني أتحدث اليابانية، أنت وسيم وتدرس في تلك الجامعة المشهورة (سوغوي ديس نى) عظيم، ترتفع معنوياتي قليلاً… تسأل بلهفة من أين انت ،تبدو ايطالياً او اسبانياً؟
هنا لا مجال للهروب لأن اسم البلد مسجل على البطاقة..من سوريا …تنخفض نبرة الكلام، آه شيريا (سوريا كما تلفظ في اليابانية)إنها مكان خطير جداً، هل أهلك بخير؟
أشعر بغصة وألم في حلقي وأتمنى للحظة لو أني أوروبي أو فريقي أو…أو حتى كائن فضائي، أي شي لا يمت لتلك المنطقة بصلة …سمعتنا صارت “زفت”.
أكفر بهويتي وانتمائي لتلك الأرض التي ربتني وحضنتني وعلمتني والتي لا زلت أخشع عندما أسمع باسمها …. لكني أعود بسرعة تائباً، مواسياً نفسي…أي.. بكرا سينتهي هذا الكابوس وتعمر البلد من جديد وعندها سينسى العالم كل شيء كما هي العادة.