هوى الشام| رغم الانقسام السياسي والصراع العسكري الذي احتدم في ليبيا خلال العام الماضي، إلا أن أزمة المياه تعتبر الهاجس الأكبر الذي يشغل بال الليبيين لا سيما وأن البلاد لا تتميز بأنهار تجري فيها وتوفر مصدرًا سهلا للمياه العذبة، وهو ما استعاضت عنه الدولة الليبية بمشروع النهر الصناعي الذي بدأ في أكتوبر من عام 1984، إلا أنه لم يشكل حلا جذريا لأزمة البلاد حتى الآن والتي تفاقمت مع الانقسام السياسي.
النهر الصناعي مشروع مكلف
يؤكد الدكتور مفتاح النفار رئيس المنظمة الليبية للدفاع عن المدن المهمشة في ليبيا لسكاي نيوز عربية أن مشروع النهر الصناعي مشروع ضخم تكلف المليارات، لكنه قدم حلولا ليست جذرية، لأنه يعتمد على جلب المياه من الصحراء والتي تتدفق لمسافة ألفي كيلو متر من منابعها الجوفية، ما قد يؤدي لانهيارات أرضية في المستقبل، وهو مشروع غير كاف لتغطية حاجة ليبيا من المياه، وصيانته مكلفة جدا للخزينة العامة، وكذلك عملية إدارته مكلفة للغاية.
وأضاف أن “ليبيا تتمتع بأطول شاطئ في البحر المتوسط والأفضل تحلية المياه في المدن الساحلية المزدحمة بالسكان أسوة بما هو معمول به في دول الخليج، ومحطات تحلية مياه البحر أقل تكلفة من النهر الصناعي، ففكرة الاعتماد على مشروع النهر الصناعي في استعمال المياه ليست ذات جدوى، لأنها لم تلبي الاحتياج الفعلي لسكان البلاد خاصة وأن تعداد سكان ليبيا ليس بالكبير”.
سوء الإدارة ومجانية المياه
ويبين النفار أن الجانب الثاني في أزمة المياه يكمن في توصيل المياه للمواطنين بالمجان ما يؤدي لسوء استعمالها، حيث يقوم المواطن باستخدام مياه النهر في ري المزارع، والمزارع يمكنها الاكتفاء بالمياه الجوفية وليس بمياه الري التي يتحصل عليها المواطن دون مقابل، وهو ما يؤدي إلى فوضى وسوء استعمال حتى في الاستخدام العادي عبر ترك الصنابير مفتوحة في أوقات كثيرة بنوع من الإهمال، وهو ما يوجب على الدولة فرض تكلفة لاستهلاك المياه برسوم حسب الاستهلاك مثل الدول المتطورة، وهو ما يجري تطبيقه في دول الخليج الغنية حيث يدفع المواطن رسوما مقابل الخدمة لمنع الفوضى في الاستهلاك.
وبين أن سوء الإدارة عامل مهم في الأزمة فليبيا تتمتع بأكبر بحيرة جوفية في المنطقة، وهي تعد امتدادا للمياه القادمة من نهر النيل وغيرها ولكن في باطن الأرض، حيث توجد في مدن الواحات والكفرة مخزونات كبيرة من المياه الجوفية، تعد رصيدا استراتيجيا من المياه للأجيال القادمة، خاصة وأنه يتوقع أن تكون الحروب في المستقبل حروب مياه، ما يحتاج إلى إدارة حكيمة لإدارة مصادر المياه هذه.
محطات تحلية مياه البحر
ويشير إلى ضرورة استخدام محطات تحلية مياه البحر مع المدن الساحلية، والاعتماد على النهر في المدن الجبلية مثل الجبل الأخضر وجبل نفوسة، حيث يصعب حفر الجبال للحصول على المياه الجوفية والتي تكون عملية مكلفة للغاية وتحتاج لحفر قرابة 350 كيلو متر في جوف الأرض للحصول على المياه، وهي عملية صعبة تحتاج إلى استغلال مياه النهر الصناعي فيها، بينما يتم حل المشكلة في المناطق الساحلية بإنشاء محطات تحلية فيها، ما يحل الأزمة في ليبيا بشكل كبير.
ولفت إلى أن مخزون المياه الجوفية في ليبيا كبير جدا يمكن بحسن استغلاله حتى تصديره إلى دول الجوار القريبة من ليبيا مثل مصر.
أزمة الصيانة
“الصيانة عملية غير مدروسة بشكل صحيح لأن الأنبوب الفارغ للنهر الصناعي يزن قرابة عشرين طنا وهي فارغة وفي حال امتلائها بالمياه يزيد وزنها، وعندما توضع تحت الرمال في الصحراء تحدث شروخ في الأنابيب ما يجعل هناك تكاليف عالية لعملية الصيانة”، هكذا يشرح الدكتور النفار أزمة صيانة مشروع النهر في ليبيا.
يضيف الدكتور النقار أن أزمة المياه تؤثر على مناحي الحياة في ليبيا كافة، مشددا على أن العلاج يكمن في استغلال مخزون المياه الجوفية الذي يعد الأكبر في الصحراء الكبرى، ما يبشر بالخير لمستقبل البلاد المائي ويحتاج لإدارة سليمة وواعية، ويضاف إليها توعية المواطن وعدم منحه الخدمة دون مقابل.
وأشار إلى أن المشكلة الأمنية تؤثر أحيانا لكنها ليست بقدر تأثير المشكلات الأخرى فأحيانا مجموعات مسلحة تغلق أنابيب النهر الصناعي عندما يتوقف وصول المياه إلى المدن، خاصة المدن المهمشة لكن الأزمة بالدرجة الأول سوء إدارة من الدولة وسوء استهلاك من المواطن.
أما الشيخ السنوسي الحليق نائب رئيس المجلس الأعلى للقبائل الليبية فيؤكد أن ليبيا شهدت استثمارات كبيرة في مجال المياه خاصة في النهر الصناعي الذي صرف عليه أكثر من 45 مليار دينار، إلا أنه يعاني كثيرا من عدم الصيانة لسنوات طوال خاصة مع عدم توحيد إدارة البلاد وتقسيمها، مشيرا إلى أن عدم الاستقرار الإدارة أدى لإهمال صيانة المشروع وتأمين الآبار وتأمين الخطوط الناقلة للمياه وهي أسباب رئيسية لأزمة المياه، موضحا أن الفساد الإداري بالشركة العامة للمياه والصرف الصحي يعيق حل أزمة المياه.
ويضيف أن هناك خطة توسع في محطات تحلية البحر لأن ليبيا تملك مساحة 1950 كيلو مترا على البحر المتوسط ما يجعل هناك إمكانية لإنشاء محطات تحلية بتكنولوجيا عالية يمكنها الاستمرار لمدد زمنية طويلة تصل إلى ستين عاما، مضيفا أن هناك مناطق تعاني من عدم ووصول المياه إليها مثل طبرق والبيضاء، فخط الجبل كله لا توجد به مياه حتى في المرج، فهناك أزمة مياه بها وتحتاج إلى نظرة خاصة من الحكومة الجديدة خاصة لهيكلية إدارة النهر الصناعي ودعم المشروع وحل المختنقات للشركة المسؤولة عن المياه في ليبيا.
ليبيا غنية بالمياه الجوفية
وبين أن هناك أبحاث عالمية عن طريق منظمة اليونسكو أكدت وجود كميات كبيرة من المياه في ليبيا بالصحراء صالحة للزراعة والاستعمال، والوضع في ليبيا بالنسبة للمياه جيد مع وجود ساحل طويل على البحر المتوسط، ويمكن من خلالها استغلال مياه البحر في الزراعة، حيث يمكن استخدام محطات لتحلية المياه على الساحل من تحلية قرابة نصف مليون لتر مكعب من المياه يوميا وهي محطات كبيرة يوجد بعضها في السعودية ودول الخليج، داعيا الحكومة لوضع استراتيجية لحل أزمة المياه في ليبيا.
من جانبه يؤكد سليم الشحومي منسق العلاقات الإعلامية ببلدية بنغازي أن العامل الأساسي هو غياب الأمن بعد فبراير 2011 والذي أدى للانقسام الإداري في مشروع النهر إلى قسمين الأول قسم إدارة المنطقة الغربية بجبل الحساونة والثاني في المنطقة الشرقية وخط الإمداد من تازربو حتى أجدابيا.
وأشار إلى أن “أبرز المشكلات تهالك وقدم شبكة المياه منذ الثمانينات، مع الحاجة إلى مواد تشغيلية ومواد للصيانة منذ فبراير 2011، من حيث الأنابيب والمضخات الطاردة ومضخات الرفع للمناطق، فضلا عن أزمة زيادة السكان والتوسع العمراني والعشوائي بعد فبراير 2011”.
الأزمة المالية
ويضيف الشحومي أن جهاز النهر الصناعي يعاني من أزمة مالية حيث يعتمد على جباية الضرائب من مرتبات العاملين في الدولة وبعد فبراير 2011 حدث ارتباك في المنظومة المالية، لافتا إلى أن مشروع النهر الصناعي يغطي 70% فقط من المناطق المستهدفة منه حتى الآن وهناك مشاكل تتعلق بالتعديات على الخطوط الرئيسة والوصلات الناقلة للمياه، فضلا عن إلقاء أزمة الكهرباء بظلها على أزمة المياه لأن مضخات المياه تعمل بالكهرباء وانقطاع الكهرباء أو حدوث مشاكل فيها ينعكس على أزمة المياه بشكل مباشر.
ويتابع الشحومي: “بلدية بنغازي تحاول توزيع المياه داخل المناطق وفق خطوط ترحيل جديدة مستمدة من الخطوط الرئيسية لجهاز النهر الصناعي حيث نجحت في إيصال المياه إلى 80% من المناطق التي لم تصل إليها في وقت سابق ونعمل وفق المخصصات التي تأتي من الدولة، ووجود حكومتين جعل الحكومة الشرقية تعتمد على الاقتراض من المصارف وهو ما يعيق تنفيذ المشروعات التنموية داخل البلديات”.
واختتم الشحومي حديثه بالقول “نأمل خيرا في توحيد المؤسسات والدوائر الحكومية والميزانية حتى يمكن تنفيذ المشاريع التنموية في المرحلة المقبلة، فالأمل أن تكون حكومة عبد الحميد الدبيبة جامعة لليبيين لحين موعد الانتخابات في ديسمبر، ولا نعول كثيرا على تميز هذه الحكومة في مجال الخدمات، لكن أملنا أن تعيد الاستقرار وتفتح المجال للحكومة المقبلة لتولي ملف الخدمات بعد إجراء الانتخابات في ديسمبر من العام الجاري”.
المصدر :سكاي نيوز
(( تابعنا على الفيسبوك – تابعنا على تلغرام – تابعنا على انستغرام – تابعنا على تويتر ))