خاص هوى الشام | نزاع إخوة قصة لبنى محمد عيسى | كانت سيدة بسيطة جداً لاتمتلك حنكة ولا طريقة لفض النزاع بين ولديها الصغيرين.
وكانا يؤذيان بعضها في كل مشاجرة بشراشة وقوة ولا يهدأن حتى تنهك قواهما وهي تقف مكتوفة الأيدي قليلة الحيلة دائمة البكاء وهي تتوسل لهما أن يتوقفا.
لم ينسجما يوما ولم يتفقا على رأي وترعرعا على نفس الوتيرة لايوقفهم شيء سوى الإنهاك والتعب بعد كل مشاجرة إلى أن آن الآوان كي يفترقا مع بداية الأحداث والأزمة التي عصفت في سوريا و مع بداية التوتر في حلب فقد كان رأي سعيد الأبن الاكبر للسيدة المسكينة أنه سينضم إلى صفوف المعارضة ولن يثنيه لا رأي أخيه ولا دموع أمه السخية.
جمع أشياءه وغادر المنزل بلا رجعه، حينها ساد الهدوء في المنزل ولم يعد هناك أصوات ومشاكل فقط صوت بكاء أم سعيد المكلومة على فراق ولدها وهي دائمة ذرف الدموع وتقول أنها تشعر بأنها لن تراه مجددا”.
وعمران ابنها الصغير يقول لها: إن شاء الله سوف يرجع لك وسيكون الله معه و يحميه والندم والحسرة تملأن قلب عمران على أخيه فهو في قرارة نفسه يحبه حباً جماً لكنه لم يعطه فرصة ليبوح له بمشاعره وكان سعيد متسرعاً سريع الغضب.
مرت الأيام ثقيلة على كاهل الأسرة والليالي طويلة جداً ودموع أم سعيد ماتزال على خدها لاتهدأ وقلبها لايستكين، انحنى ظهرها وبرزت عظام وجهها وغارت عيناها داخل تجويف عميق حتى أن لمعة عينيها خفتت وصوتها بالكاد يسمع.
كان حال أم سعيد يؤلم قلب عمران الطيب ويحزن كثيرا يواسيها حيناً وحيناً آخر يتركها حتى تتعب وتخلد للنوم خائرة القوى.
دخل عمران المنزل وفي يده ورقة بيضاء من الخارج ومن الداخل مكتوب عليها طلب التحاق عمران بالخدمة الإلزامية وكان شاباً ملتزماً، حزم حقيبته وأخذ أشياءه مغادراً منزل السيدة البائسة وصوت بكائها وصل إلى نهاية الزقاق الذي يسكنون به أتى جيرانها لمواساتها وهم يشفقون عليها ويهدئون من روعها ويدعون لولدها بالرجوع سالماً، كانت فاجعة أخرى تصيب قلب الام المخضب بالشقاء والانهاك، كيف ستقوى على فراق ولدها الثاني.
كانت الأحداث تتسارع تباعاً والأحوال لا تطمئن وكل طرف من جانبي الصراع يحاول حسم المعركة لصالحه ويحاول فرض سيطرته على البلاد، انقضت أيام وأشهر وهذه الأم تنتظر بلهفة عودة ولديها وهي بأمس الحاجة لهما.
عمران لم يتمكن من العودة من ثكنته بسبب الظروف المحيطة والاستنفار الدائم في ثكنة هنانو وسعيد كان مشغولا بمعتقداته وأفكاره المغايرة لا يعير أهله أي اهتمام.
وفي ليلة كانت حالكة السواد تجهز المعارضون بأسلحتهم للهجوم على ثكنة هنانو، علت أصوات التكبير وبدأ المسلحون هجوماً شرساً على الثكنة وأمطروها بوابل من الرصاص لايهدأ والجيش من داخل الثكنة يرد بكل مايملك من قوة وعتاد واستمر الاشتباك لأكثر من يومين ولم تحسم المعركة لصالح أي من الأطراف المتنازعة.
انسحب المسلحون وجمعوا عتادهم وقتلاهم وجرحاهم وعادوا أدراجهم إلى مواقعهم وبدؤوا تجهيز جثامين القتلى وكان سعيد واحداً من القتلى، ومن الجانب الآخر أيضاً بدأ الجيش بالتقاط أنفاسه وإحصاء القتلى والجرحى وتجهيز الجثامين ومن المفارقة الموجعة والصدفة التي لايمكن للعقل استيعابها كان عمران ضمن إحصائيات قتلى الجيش.
نعم لقد كان سعيد بين قتلى المسلحين وعمران بين قتلى الجيش. حمل كل من طرفي النزاع جثمان أحد الاخوة متوجها به إلى بيت أم سعيد لتتلقى نبأ وفاة ولديها على التوالي وليعج بيتها بالزوار والجيران حضر ولديها بأكفان مختلفة في نفس اليوم واجتمعا معاً لكن هذه المرة بلا شجار ونزاع إخوة فقط كان صوت عويل أم سعيد الذي وصل حد السماء السابعة ثم مالبث أن توقف صوتها للأبد.